بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المتفضل بالجــود والإحســان والمنعــم على عباده بنعــم لا
يحصيهــا العــد والإحســان أسبــغ علينــا عظيــم الأنعــام وأفاض
الجــود علينــا بمنــه والإكــرام وأولانــا بسلسلــه عطــره من النبيين
الكــرام.اللهــم صلِّ على سيدنا محمد أفضــل انبيائك وأكــرم
أصفيائــك وإمام أوليائــك وخاتم أنبيائك صاحجب الدرجــه الرفيعــه
وعلى ألـهِ وصحبــهِ وسلّم.
أخواني أخواتي
السلام عليكــم ورحمــة الله وبركاتــه
ألسنتنا نارا تحرق وأفاعي تلدغ ويا لها من ألسنة ... تزرع الهموم
وتثمر الغموم وتجني الشرور وتورث الحقد والغلّ في الصدور.
المسلم مأمور بإن يكون كلامه مستقيماً لا إعوجاج فيه ولا انحراف
قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
الأحزاب/70-71
ولا يُحدِّث بكل ما سمع قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
( كفى بالمرء كذباً أن يُحدِّث بكل ما سمع )
ولقد سئل النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس
النار فقال:
( اللسان والفرج )
لَنا دين عظيم ومنهج كريم حُرص فيه علَى أن تبقَى العلاقَات بيننا
قَوية لا تضعفها أَدنى هزة وأَن تظل الأَواصر محكمة البنـاء لا
ينقضها أَي عاصف
( المسلم أَخو المسلمِ لا يخذله ولا يحقره )
ولأن الكلمة السيئة من أخطر الآفَات الَتي تفتك بالمجتمعات وتدمر
ما بين أَفرادها من علاقَات فَقَد جاء الأَمر لعباد الله أَن يقولوا التي
هي أَحسن قَال سبحانه وتعالى :
{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ الشَّيطَانَ يَنزَغُ بَينَهُم}
الإسراء/35
فَالَكلمة الطيبة الحسنة لا يجد معها الشيطان مجالاً للإِفساد بين الناسِ
أَو إِيغار صدور بعضهِم علَى بعض وما ظفر عدو الله منِ اثنين
بثغرة ينفذ منها علَيهِما وينزغ بينهم فِيها بِمثلِ الكلمة الخبِيثة السيئة
من لسان قَاصد للشر متعمد للإِفساد أَو آخر غافل عنِ الخير
والإصلاح.
ومن ثَم فَلا عجب أَن يكون من الإيمانِ أَن يقول المرء حسنا أَو
يسكت عن سيئٍ ..
في الحديث المتفق علَيه قَال صلى الله عليه وسلم:
(ومن كان يؤمن بِالله واليومِ الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت )
اللسان رغم صغر جرمه لكنه عظيم الجرم لذا ينبغي التنبيه أن من
الأصول المقطوع بها في الإسلام وجوب صيانة اللسان عن أذية
أهل الإيمان ولاسيما ونحن نرى الفرية والكذب على الآخرين
والعياذ بالله.
لقد حرّم الإسلام هتك أعراض المسلمين والتقول عليهم بغير حق
فالغيبة مرض خطير وداء فتاك ومعول هدام سبّب في تفرق كثير
من الناس والتي حقيقتها ذكر مساوئ الإنسان وما يكرهه في غيبته.
إن الغيبة خصلة ذميمة تنم عن ضعف الإيمان وسلاطة اللسان
وخبث الجنان فما أكبر خطرها وما أعظم جرمها يقول عليه الصلاة
والسلام:
( يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين
ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته ومن
تتبع الله عورته كشفه ولو في جوف بيته) رواه أحمد وصححه
الألباني
الغيبه من أَخطر آفَات اللسان الَتي تفعل الكلمة فيها في القلوب
الأَفاعيل وقَد تكون كالقذيفَة المسددة للأَفئدة فَتفسد ودّا قَديما أَو تَمحو
حبّا متمكنا أَو تقتل ثقَة متبادلَة أَو تقطع علاقَة محكمةً إِنها الآفَة
المستشريةُ والمرض الفتاك الذي ما انتشر في مجتمع إِلاَّ قَامت فِيه
سوق الظنونِ السيئة ونبت فيه التحسس والتجسس وظهر فِيه الحقد
والحسد والتشفي.
في سورة الحجرات التي احتوت من آداب التعاملِ بين الناس على
أَعظمها وأَكملها فهي تنظم أَقوال المسلمين وتضبِط أَلسنتهم نجد
النهي عنِ الغيبة التي هي سبب من أَسباب فساد العلاقَات واختلاف
الود ونلحظ أَنها صورت لبشاعتها بِأَقبحِ صورة إِنها الصورة التي
لا تقبلها نفس سوية زكية صورة الرجل الآكل من لحم أَخيه الميت
وهي البهِيمية التي لم يقبلها الإنسان على مر العصور لا في جاهلية
ولا في إِسلام قَال سبحانه وتعالى:
{وَلا يَغتَبْ بَعضُكُم بَعضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُم أَن يَأكُلَ لَحمَ أَخِيهِ مَيتًا
فَكَرِهتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} الحجرات/12
وأمّا الأَحاديث النبوية الكريمة والتي حذرت من الغيبة ونهت عنها
وبينت خطرها وشديد ضررها كثيرة روى مسلم عن أَبي هريرةَ
رضي الله عنه أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَال:
( أتدرون ما الغيبه..؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال: ذكركَ أَخاكَ بما
يكره قيل: أَفَرأَيت إِن كان في أَخي ما أَقُول..؟ قَال: إِن كان فيه ما
تقول فَقَد اغتبته وإِن لم يكن فيه ما تقول فَقَد بهته )
وقَال عليه الصلاة والسلام:
( لَمَّا عرج بي مررتُ بقَوم لهم أَظفا ر من نحاس يخمشون وجوههم
وصدورهم فَقلت: من هؤلاء يا جِبريل..؟ قَال: هؤلاء الذين يأكلون
لحوم الناس ويقَعون في أَعراضهم )
وعن أَبي بكرةَ رضي الله عنه قَال:
( أَنَا أماشي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بِيدي
ورجل علَى يساره فَإِذَا نَحن بقَبرين أَمامنا فَقَال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: إِنهما لَيعذبانِ وما يعذبانِ في كَبِير وبلَى فَأيكم يأتيني
بِجريدةٍ..؟ فَاستبقنا فَسبقته فَأتيته بِجريدة فَكسرها نصفين فَألقى على
ذا القَبر قطعة وعلَى ذا القَبر قطعة قَال: إِنه يهوَّن عليهما ما كانتا
رطبتين وما يعذبانِ إِلاَّ في الغيبةِ والبولِ) رواه أَحمد وقَال الأَلباني:
حسنٌ صحيح
حرصَ الإسلام على إِضفاء الستر وحماية الأَعراض بما لا مزيد
عليه وحذر من انتهاك الأَعراض بالباطل ونهى عن الخوض فيها
بِغَير حق حتى لَقَد سوّى النبي محمد صلى الله عليه وسلم عرض
المسلم في الحرمة بِدمه وماله حيث قَال في حجة الوداعِ:
( إِن دماءكم وأَموالكم وأَعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا
في شهرِكم هذا في بلدكم هذا) متفق عليه
وقَال صلى الله عليه وسلم:
( لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم
على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخوا المسلم لا يخذله
ولا يحقره التقوى هاهنا وأشار إلى صدره بحسب أمرئ من الشر
ان يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله
وعرضه ) رواه مسلم
فهل ثمة بيان لعظم حرمة عرض المسلم أعظم من هذا البيان
وأوضــح منـــه..؟
وحين يرى بعض الناس الإسلام مجرد اعمال ظاهــره يخص بها
نفسه ثم ينسى حقوق الأخرين ويخوض في اعراضهــم ولا يدري
عظيــم اجــره لو أصلح..وكبير ذنبــهكلّما افســدَ فقد بين النبي محمد
صلى الله عليه وسلم صفة المسلم الحقيقي بقوله:
( المسلم من سلم المسلمون بلسانه ويده ) رواه مسلم
وبين صلى الله عليه وسلم علوّ درجة المصلح بين الناس فقال:
(ألآ أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقه بين الناس
قالوا بلى قال إصلاح ذات البين هي الحالقــه)
وحذر في المقابل من تعرّض للمسلمين بالأذى بالنار والبوار وإن
صلى وصام وفعل ما فعل.
وقال صلى الله عليه وسلّم :
( اتدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال
المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامه بصلاة وصيام وزكاة ويأتي
قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وضرب هذا فيعطى من
حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل ان يقضى ماعليه أخذ
من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) رواه مسلم
وإذا كانت الغيبه تحمل كل هذا السوء فإن ثمة نــوعا منها أعظم ذنبا
وأكبر جرما غنه البهتان حين يظلم المرء اخاه بذكره ما ليس فيه
وهي الكبيره التي حذر المولى جل وعلا عباده منها حيث قال:
{وَالَّذِينَ يُؤذُونَ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ بِغَيرِ مَا اكتَسَبُوا فَقَدِ احتَمَلُوا
بُهتَانًا وَإِثمًا مُبِينًا} الأحزاب/58
وقَال صلى الله عليه وسلم:
خمس ليس لهن كفاره
الشرك بالله
وقتل النفس بغير حق
وبهت المؤمــن
الفرار من الزحف
ويمينٌ صابره يقتطــع بها مالاً بغير حق
وقال صلى الله عليه وسلم:
( ومن قال في مؤمن ماليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج
مما قال ) رواه أبوا داود
ردغة الخبال هي عصارة أهل النار
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال:
( إذا أصبح ابن ادم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان تقول: اتق الله فينا
فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا) رواه
الترمذي
إن المسلم إذا سمح للسانه أن يلغو في هذه الأعراض وغيرها كان
عرضة للضياع والإفلاس في الآخرة وشتان بين إفلاس الدنيا
وإفلاس الآخرة.
قال عمر أبن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه:
من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه كثرت زلاته ومن كثرت
زلاته فالنار أولى به...
.........
اللهم أحفظ ألسنتنا من الكــذب ومن الغيبه والنميمه وقلوبنا من النفاق
واعمالنا من الرياء وأعيننا من الخيانــه فإنك تعلم خائنة الأعين وما
تخفي الصدور يارب العالمين