إزهد في الدنيا يحبك الله..
....
إزهد في الدنيا يحبك الله فإن الدنيا دار سفر لا دار إقامة ، ومنزل عبور لا موطن يدوم ، فينبغي للمؤمن أن يكون فيها على جناح سفر ،
يهيئ زاده ومتاعه للرحيل المحتوم,فالسعيد من اتخذ لهذا السفر زاداً يبلغه إلى رضوان الله تعالى والفوز بالجنة والنجاة
من النار,
تعريف الزهد في الدنيا,عدم الرغبة فيها وخلو القلب من التعلق بها,قال الإمام أحمد,الزهد في الدنيا,قصر
الأمل,وسئل الجنيد عن الزهد فقال,استصغار الدنيا ، ومحو آثارها من القلب,وقال أبو سليمان الداراني,الزهد,ترك ما
يشغل عن الله, قال ابن القيم,والذي أجمع عليه العارفون,أن الزهد سفر القلب من وطن الدنيا ، وأخذ في منازل
الآخرة,فأين المسافرون بقلوبهم إلى الله,وأين المشمرون إلى المنازل الرفيعة والدرجات العالية,وعشاق الجنان وطلاب
الآخرة,قال تعالى(اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب
الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاماّ وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا
إلا متاع الغرور )وقوله تعالى( قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا )وقوله تعالى(بل تؤثرون
الحياة الدنيا,والآخرة خير وأبقى)ومن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن الدنيا(الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر)رواه
مسلم,وقال صلى الله عليه وسلم مبيناً حقارة الدنيا( ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم،فلينظر بم
يرجع )رواه مسلم,وقال صلى الله عليه وسلم(مالي وللدنيا ،إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال,أي نام,في ظل شجرة
،في يوم صائف ، ثم راح وتركها)رواه الترمذي وأحمد وهو صحيح,وقال صلى الله عليه وسلم( ازهد في الدنيا يحبك الله ،
وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس)رواه ابن ماجه وصححه الألباني,وقال صلى الله عليه وسلم( اقتربت الساعة
ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصاً ، ولا يزدادون من الله إلا بعداً)رواه الحاكم وحسنه الألباني,وحقيقة الزهد في
الدنيا,الزهد في الدنيا هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فهو ليس بتحريم الطيبات وتضييع
الأموال ، ولا بلبس المرقع من الثياب ، ولا بالجلوس في البيوت وانتظار الصدقات ، فإن العمل الحلال والكسب الحلال
والنفقة الحلال عبادة يتقرب بها العبد إلى الله ، بشرط أن تكون الدنيا في الأيدي ، ولا تكون في القلوب ، وإذا كانت
الدنيا في يد العبد لا في قلبه ، استوى في عينه إقبالها وإدبارها ، فلم يفرح بإقبالها ، ولم يحزن على إدبارها,قال
ابن القيم في وصف حقيقة الزهد( وليس المراد,من الزهد,رفضها,أي الدنيا,من الملك ، فقد كان سليمان وداود
عليهما السلام من أزهد أهل زمانهما،ولهما من المال والملك والنساء مالهما,ومن أحسن ما قيل في الزهد كلام الحسن,
ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال ، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك,أهمية الزهد,إن
الزهد في الدنيا,هو أمر لازم لكل من أراد رضوان الله تعالى والفوز بجنته،ويكفي في فضيلته أنه اختيار نبينا محمد صلى
الله عليه وسلم وأصحابه،ولذا نبذها رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء ظهره هو وأصحابه،وصرفوا عنها
قلوبهم,وهجروها ولم يميلوا إليها,عدوها سجناً لا جنة ، فزهدوا فيها حقيقة الزهد ، ولو أرادوها لنالوا منها كل
محبوب،ولوصلوا منها إلى كل مرغوب،ولكنهم علموا أنها دار عبور لا دار سرور,وأنها سحابة صيف، وخيال طيف ما
استتم الزيارة حتى أذن بالرحيل)ومن أقوال السلف في الزهد,قال على بن أبي طالب رضي الله عنه,إن الدنيا قد
ارتحلت مدبرة ، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة ، ولكل منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ،
فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل(وتزودوا فإن خير الزاد التقوى )وقال عيسى بن مريم عليه
السلام,اعبروها ولا تعمروها,وقال,من ذا الذي يبني على موج البحر داراَ,تلكم الدنيا فلا تتخذوها قراراّ,ومن الأسباب
المعينة على الزهد في الدنيا,النظر في الدنيا وسرعة زوالها وفنائها ونقصها وخستها ومافي المزاحمة عليها من النغص
والأنكاد,والنظر في الآخرة وإقبالها ومجيئها ودوامها وبقائها وشرف ما فيها من الخيرات,والإكثار من ذكر الموت والدار
الآخرة,تشييع الجنائز والتفكر في مصارع الآباء والإخوان وأنهم لم يأخذوا في قبورهم شيئاً من الدنيا ولم يستفيدوا غير
العمل الصالح,والتفرغ للآخرة والإقبال على طاعة الله وإعمار الأوقات بالذكر وتلاوة القرآن,والبذل والإنفاق وكثرة
الصدقات,وترك مجالس أهل الدنيا والاشتغال بمجالس الآخرة ,ومطالعة أخبار الزاهدين وبخاصة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
......................................
((جعلنا الله جميعا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه))اللهم آآآميين