الحمد لله الذي أمر بالتعاون على الخيرات, ونهى عن التفرق والاختلاف والمشاحنات, وأشهد أن لا إله إلا الله, وحده لا شريك له, فاطر الأرض والسموات, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, سيد الرسل وأكمل المخلوقات, اللهم صل على محمد, وعلى آله وأصحابه أولي الفضائل والكرمات, وسلم تسليما. أما بعد,
أيها الناس, اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم, وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين, وقوموا بالنصيحة بين عباد الله فإن الله لا يضيع أجر المحسنين. قال تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما}. [سورة النساء: الآية 114] وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ إصلاح ذات البين. فإن فساد ذات البين هي الحالقة. لا أقول تحلق الشعر. ولكن تحلق الدين"، فرحم الله امرأ رأى بين اثنين عداوة فقام بتقريب بعضهم إلى بعض بالتأليف والإصلاح; ويا ويح من أغرى بين الناس فلقح العداوة وغذاها بالتفريق بين المتصافيين وراح.
أما علمتم أن من أصلح بين الناس أصلح الله باله؟ ومن فرق بينهم فرق الله أمره وشتت أحواله؟ فطوبى لمن كان مفتاحا للخير مغلاقا للشر, وويل لمن كان مفتاحا للشر مغلاقا للخير.
أما سمعتم بأن النمام عليه العقوبة الشنيعة يوم البعث والنشور؟ فإنه ينقل الكلام بين الناس فيحدث البغضاء ويوغر الصدور; يجيئ النمام إلى قلوب متآلفة متفقة فيفرقها, وإلى صداقات وصلات بين الناس فيمزقها; قد انسلخ من أعمال أهل الصلاح المصلحين, ورضي لنفسه أن يكون من المفسدين.
ألا وإن المصلحين بين عباد الله لهم الرتب السامية والمحل الأعلى, وقد حازوا الشرف والأجور الكثيرة ورضى المولى; يأتون إلى المتباعدين فيقربونهم, وإلى الذين فرقتهم الأغراض الدنيئة فيؤلفون بين قلوبهم ويجمعونهم; فلله درهم ما أفضل أعمالهم, وما أرفع مكانهم وأكمل أحوالهم; فكم حصل بسعيهم المشكور من خيرات وبركات, وكم اندفع بعملهم المبرور من شرور ومفاسد وآفات; وكم قمعوا من ضغائن وإحن, وكم أخمدوا بإصلاحهم ولطفهم من شرور وفتن; فيا فوزهم بمكارم الأخلاق, ويا سعادتهم عند لقاء الملك الخلاق; ويا فلاحهم إذا أكرموا بجنات النعيم, ووقوا من عذاب الجحيم, فتمت لهم حينئذ العيشة الراضية, في جنة عالية, قطوفها دانية, وقيل لهم: {كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية}. [سورة الحاقة: الآية 24]. بارك الله لي ولكم.