قال الله سبحانه وتعالى :
﴿101﴾ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ
أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي
إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴿102﴾ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴿103﴾
وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ﴿104﴾ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنِينَ ﴿105﴾ الصافات
أرأيت اختبارا أكبر من هذا لحب الله سبحانه و تعالى ؟
وهل من يمتثل لهذا الأمر... يكون هناك شيء في قلبه أقوى من حب الله ...
ومن منا إذا قيل له إن الله يأمرك أن تذبح إبنك الوحيد ...
وأنت شيخ لا يرجى لك بأسباب الدنيا أن ترزق غيره ...
ومن منا يمتثل لذلك .... إلا أن حب الله في قلبه اكبرمن الدنيا بما فيها ...
لأن الإنسان قد يضحي بماله ... وقد يضحي بزوجته ...
ولكن عندما تأتي مسألة الإبن تكون عملية قاسية على النفس .
ومع ذلك أخذ إبراهيم إبنه... وأخذ السكين ...
وانطلق به إلى حيث تتم عملية الذبح ... وهنا جاء الشيطان محاولا
أن يغري إبراهيم بالمعصية، وأن يثير إسماعيل على أبيه ....
فكان رد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام هو رميه بالجمار
ليبتعد عن طريقهما .... ولم يستطع الشيطان أن ينفذ لقلبهما.
وانطلق إبراهيم عليه السلام إلى المكان المحدد ...
وأمسك بالسكين ليذبح إبنه طاعة لله سبحانه وتعالى ...
ولينجح في اختبار حب الله في النفس ... ذلك الحب الذي يعلو كل شيء ،
حتى على حب الأب الشيخ لابنه الوحيد
حينئذ ينزل الملك بالكبش ليفدي إسماعيل عليه السلام ،
ويعرف إبراهيم أن المسألة كانت اختبارا لحب الله في نفس إبراهيم ...
وأن إبراهيم عليه السلام نجح في الإختبار ...
ولم يكن هذا مثلا غير مكرر ... وإن اختلفت الظروف ...
ولكنه مثل يتكرر في الدنيا كل يوم ...
ففي أول الإسلام وعند الهجرة ... ماذا حدث؟
ترك المسلمون أموالهم وأولادهم وأسرهم و زوجاتهم، وكل ما يملكون في مكة،
وانطلقوا إلى المدينة مهاجرين إلى الله ، ...
تركوا كل متاع الدنيا من أجل الله ورسوله ....
وكان هذا اختبار لحب الله في نفوسهم ...
ولو أن أحدا قال الآن :
هيا نترك أموالنا وأولادنا وزوجاتنا وننطلق مجاهدين في سبيل الله ...
لرأيت كل إنسان يتعلق لك بعذر...
فواحد يقول :
إن أولاده صغار ... وآخر يقول يجب أن يبقى من أجل كذا وكذا ...
فالجهاد والعبادة هما اختبار لحب الله سبحانه وتعالى في النفس البشرية ....
إذا وصلت النفس البشرية إلى أن حب الله ورسوله فوق حبهما للدنيا
وما فيها من زوجة وولد ومتاع ،
وصل إلى أعلى درجات الإيمان مصداقا لقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم :
( لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه من سواه )
من كتاب معجزة القرآن
مصطفى متولي الشعراوي
اللهم اجعلنا من المحسنين المؤمنين
يارب العالمين