أخى المسلم المقدم و المؤخر هذان الاسمان الشريفين لم يرد لهم ذكر فى القران ، و لكن وردت مادتهما الدالة عليهما فهو جل وعلا يقدم ما يشاء و يؤخر ما يشاء كيف يشاء و متى يشاء على ما يشاء و بقدر ما يشاء و ذلك وفق علمه المحيط بجميع الأشياء و حكمته البالغه مبلغ العدل المطلق الذى لايكون إلا له ، و لا يقدر على تحقيقه أحد سواه قال تعالى { قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ } و قال جل من قائل سبحانه { لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } ق27-29 أى لاتتخاصموا بين يدى هنا فما ينفعكم الخصام و الجدل و قد سبق أن أنذرتكم على السنة الرسل بعذابى ، و حذرتكم شديد عقابى فلم تنفعكم الآيات و النذر حتى جاء هذا اليوم الذى لامفر لكم منه و لا محيص لكم عنه و قد علمتم من كتبى المنزلة على أنبيائى و رسلى أنه لايبدل حكمى و لا يرد قضائى بتعذيب المجرمين وما أنا بمنسوب الى الظلم و لا الظلم ينسب إلى ، و ماقدمته من الوعيد شاهد بذلك وقد أخرتكم إلى أجل كان كافيا للتدبر و التذكر و الأمتثال فاليوم لا تملك نفس لنفس شيئا قال تعالى { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنّمَ هَلِ امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مّزِيدٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنّةُ لِلْمُتّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ } ق30-31 لقد قدم الله المتقين بعظيم فضله إلى واسع رحمته و قد أخر المجرمين بمحض عدله إلى دار عذابه و نقمته و قد جعل الله عز و جل الديار أربعة و قدم بعضها على بعض الأولى : دار الجنه قال تعالى { هو أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } النجم32 الثانيه : دار الدنيا وهى دار الإمتحان بالتكاليف الشرعيه و دار المحن و الشقاء و لقد سماها الله عز و جل دنيا لدنوها و دناءتها و لكنها مع ذلك دار تحمد لمن جعلها مزرعة للاخرة و لم يشغل نفسه بحطامها و هو الذى يشعر فيها بشئ من السعادة عند كل عمل صالح يقدمه لنفسه و يجد فى نفسه الطمأنينة كلما أكثر من ذكر ربه عز وجل و هذا الشعور والطمأنينه نوع من الثواب الذى قدمه و جزء من الثواب الذى أخره الدار الثالثه : الدار البرزخيه و فيها تقديم لجزء من النعيم الأخروى للمؤمنين ، و تقديم جزء من العذاب الأخروى للكافرين فالقبر أما روضه من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار فسبحان المقدم والمؤخر الدار الرابعه : دار القرار قال تعالى { إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ{55} هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ{56} لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ{57} سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ{58} وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ } يس55-59 أى أفترقوا اليوم أيها المجرمون و أعتزلوا المؤمنين و تأخروا عنهم فهذا اليوم يومهم ، يتقدمون فيه عليكم لنيل حسن الثواب من رب العباد فقد قدموا لأنفسهم فى حياتهم الدنيا عملا صالحا فكان هذا العمل قدم صدق عند ربهم أما انتم فقد أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا و أستمتعتم بها ، فأخركم الله عن ساحة رحمته فلا جزاء لكم إلا النار وبئس القرار فسبحان المقدم و المؤخر