أين
ذهبت الغيرة؟ الغيرة صفة من صفات الله والله عزَّ وجلَّ غيور،
والله سبحانه وتعالى يغار، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا أحد أغير من
الله، ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن)، ولما قال سعد بن عبادة رضي
الله عنه: [لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غَير مُصْفِحٍ] فبلغ ذلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
(أتعجبون من غيرة سعد! والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة
الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن) متفق عليه. وفي الصحيحين أنه عليه
الصلاة والسلام قال: (إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي
العبد ما حرم عليه). وفي الصحيحين في خطبته صلى الله عليه وسلم في صلاة
الكسوف أنه قال: (يا أمة محمد! والله إنه لا أحد أغير من الله أن يزني عبده
أو تزني أمته. يا أمة محمد! لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً، ولبكيتم
كثيراً. ثم رفع يديه، فقال: اللهم هل بلغت؟) وفي ذكر هذه الكبيرة بخصوصها
عقيب صلاة الكسوف سرٌ بديع لمن تأمله، فظهور الزنا من أمارات خراب العالم،
وهو من أشراط الساعة كما أخبر عليه الصلاة والسلام بقوله في أشراطها:
(ويظهر الزنا)، وقد جرت سنة الله سبحانه في خلقه، أنه عند ظهور الزنا يغضب
الله سبحانه وتعالى ويشتد غضبه، فلا بد أن يؤثر غضبه في الأرض عقوبةً؛ كما
قال ابن مسعود رضي الله عنه: [ما ظهر الربا والزنا في قريةٍ إلا أذن الله
بهلاكها]. وغيرة الله صفة من صفاته سبحانه وتعالى، نثبتها له كما يليق
بجلاله وعظمته، والمؤمن يستفيد من أسماء الرب وصفاته، ويتخلق بما يناسب ذلك
منها في حق المخلوق وبما يليق، فإذا كان الله يغار والغيرة تناسب
المخلوق؛ فإن المخلوق يغار أيضاً، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن
المؤمن يغار....... غيرة علي بن أبي طالب وغيره من السلف وعن علي
رضي الله عنه قال: [بلغني أن نساءكم ليزاحمن العلوج في الأسواق، أما
تغارون؟! إنه لا خير فيمن لا يغار]. وقال محمد بن علي بن الحسين : [وما من
امرئ لا يغار إلا منكوس القلب]. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
فيمن طلع إلى بيته فوجد عند امرأته رجلاً أجنبياً، فوفاها حقها وطلقها، ثم
رجع وصالحها، وسمع أنها وجدت بجنب أجنبي مرةً أخرى؟ فأجاب رحمه الله: في
الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: (أن الله سبحانه وتعالى لما خلق الجنة قال:
وعزتي وجلالي لا يدخلكِ بخيل ولا كذابٌ ولا ديوث) والديوث: الذي لا غيرة
له، وفي الصحيح، وذكر حديث: (إن المؤمن يغار وإن الله يغار) وقد قال تعالى:
الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ...
الآية))[النور:3] ولهذا كان الصحيح من قولي العلماء: أن الزانية لا يجوز
تزوجها إلا بعد التوبة، وكذلك إذا كانت المرأة تزني لم يكن له أن يمسكها
على تلك الحال؛ بل يفارقها وإلا كان ديوثاً. وقد ذكر العلماء في اشتراط
المحرم للمرأة في سفر الحج والعمرة -فما بالك بالأسفار الأخرى- أنه إذا كان
المحرم قليل الحمية لا يغار عليها، فإنه لا يكتفى به في السفر، وأما إذا
كان يغار ولو كان فاسقاً في نفسه جاز أن يكون محرماً؛ لأن بعض الناس قد
يكون فاسقاً لكن له غيرة على محارمه لا يرضى لهن مواضع الريبة، والنساء من
طبعهن التبرج والتبهرج، والتبهرج: هو لبس أفخر الثياب والتجمل والتحسن عند
إرادة الخروج، وهذه لو سلمت لم يسلم الناس منها، ولذلك كان لا بد للأزواج
وللآباء وللإخوان -بل حتى للأولاد- أن يغاروا على نسائهم.. من زوجاتٍ
وبناتٍ وأخواتٍ وأمهات، وأن تفهم المرأة أنها ما التمست وجه الله بمثل أن
تقعد في بيتها، وتعبد ربها، وتطيع بعلها. وقال علي رضي الله تعالى عنه
لزوجته فاطمة : [ما خيرٌ للمرأة؟ قالت: ألاَّ ترى الرجال ولا يروها]، وكان
علي رضي الله عنه يقول: [ألا تستحون؟! ألا تغارون؟! يترك أحدكم امرأته تخرج
بين الرجال تنظر إليهم وينظرون إليها] ولذلك كان ينبغي على المرأة أن تغض
طرفها حتى هي عن الرجال؛ اتقاء الفتنة، وإذا اضطرت للخروج لزيارة والدٍ أو
غيره خرجت بإذن زوجها غير متبهرجةٍ، وتغض طرفها في مشيتها، ولا تنظر يميناً
ولا شمالاً، كما ذكر العلماء في آداب خروج المرأة من بيتها. عباد الله: إن
الزوج الشهم العظيم الحسن الخلق الذي يخاف الله تعالى ويغار على زوجته أن
يرى أجنبيٌ شيئاً من جسدها، إنه لا يخرج بها كاشفةً وجهها ولا مقدم شعرها،
لا في سيارةٍ ينظر إليها الغادي والرائح عند إشارات المرور، ولا في الأسواق
يمشي بجانبها قد أشهد العالمين على دياثته في رضاه بتبرجها، وإنه يغار
عليها أن ينفرد بها أجنبيٌ في سيارةٍ أو غيرها، ويغار عليها أن يسترسل معها
أجنبيٌ بحديث في محلٍ أو غيره، ويغار عليها أن تختلط بالرجال في أماكن
العمل.. وهكذا تحفظ المرأة إذا كان الرجل صاحب غيرة. أما إذا لم يكن
فالشكوى لله، ولا شك أن من أسباب الفساد في هذا الزمان: فسق النساء، ودياثة
الرجال، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
.......................................