فريضة مهملة .. !!!
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن من أهم المهمات وأفضل القربات التناصح والتوجيه إلى الخير والتواصي بالحق والصبر عليه، والتحذير مما يخالفه ويغضب الله عز وجل ويباعد من رحمته.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منزلته عظيمة .. قال الله عز وجل (( كنتم خير أمة أخرجت للناس .. تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ... )) وفي هذا التقديم إيضاح لعِظم شأن هذا الواجب وبيان لأهميته في حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب. وبتحقيقه والقيام به تصلح الأمة ويكثر فيها الخير ويضمحل الشر ويقل المنكر. وبإضاعته تكون العواقب الوخيمة والكوارث العظيمة والشرور الكثيرة وتتفرق الأمة وتقسو القلوب أو تموت وتظهر الرذائل وتنتشر ويظهر صوت الباطل ويفشو المنكر.
ومن فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يلي:
أنه من مهام وأعمال الرسل عليهم السلام وأيضا من صفات المؤمنين على عكس أهل الشر والفساد
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الصالحين ومن خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ومن أسباب النصر والتمكين في الأرض
و من أسباب تكفير الذنوب كما قال عليه الصلاة والسلام: ( فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) و في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حفظ للضرورات الخمس في الدين والنفس والعقل والنسل والمال. وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفضائل غير ما ذكرنا.
وإذ ترِك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعطلت رايته ظهر الفساد في البر والبحر وترتب على تركه أمور عظيمة منها:
وقوع الهلاك والعذاب.. عدم إجابة الدعاء .. انتفاء خيرية الأمة .. تسلط الفساق والفجار والكفار وتزيين المعاصي وشيوع المنكر واستمراؤه و ظهور الجهل واندثار العلم وتخبط الأمة في ظلم حالك لا فجر لها. ويكفي عذاب الله عز وجل لمن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتسلط الأعداء والمنافقين عليه وضعف شوكته وقلة هيبته.
عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل القائم على حدود الله والواقع فيها والمدهن فيها مثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها وأوعرها فإذا هم استقوا الماء آذوا من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في موضعنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإذا هم تركوهم وأمرهم هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعا.
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إياكم والجلوس بالطرقات قالوا يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه قالوا وما حقه قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتبع الحاج في منازلهم في المواسم وبمجنة وعكاظ وبمنازلهم بمنى من يؤويني حتى أبلغ رسالات ربي عز وجل وله الجنة فلا يجد أحدا ينصره ويؤويه حتى إن الرجل يرحل من مصر ومن اليمن كذا قال فيأتيه قومه فيقولون احذر غلام قريش لا يفتننك يمشي بين رحالهم يدعوهم إلى الله عز وجل يشيرون إليه بالأصابع حتى بعثنا الله عز وجل من يثرب فيأتيه الرجل فيؤمن به فيقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم يبق دار من دور يثرب إلا فيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام ثم بعثنا الله عز وجل فائتمرنا واجتمعنا سبعون رجلا منا فقلنا حتى متى نذر رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة فدخلنا حتى قدمنا عليه في الموسم فواعدنا شعب العقبة فقال عمه العباس يا ابن أخي إني لا أدري ما هؤلاء القوم الذي جاؤوك إني ذو معرفة بأهل يثرب فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين فلما نظر العباس في وجوهنا قال هؤلاء قوم لا أعرفهم هؤلاء أحداث فقلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم علام نبايعك قال تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم فيه لومة لائم وعلى أن تنصروني إذا قدمت يثرب فتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة. فقمنا نبايعه فأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو أصغر السبعين فقال رويدا يا أهل يثرب إنا لم نضرب إليه أكباد الإبل المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله إن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف فإما أنتم قوم تصبرون على السيوف إذا مستكم وعلى قتل خياركم ومفارقة العرب كافة فخذوه وأجركم على الله عز وجل وأما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر عند الله فقالوا يا أسعد بن زرارة أمط عنا يدك لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها فقمنا إليه رجلا رجلا يأخذ علينا بشرطة العباس ويعطينا على ذلك الجنة.
عن عائشة قالت قلت يا رسول الله متى لا نأمر بالمعروف ولا ننهى عن المنكر قال إذا كان البخل في خياركم وإذا كان العلم في رذالكم وإذا كان الإدهان في كباركم وإذا كان الملك في صغاركم.
عن أبي سعيد الخدري قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر إلى مغيربان الشمس فلم يبق شيء يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به علمه من علمه وجهله من جهله فقال إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون ألا فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ألا وإن لكل غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته ولواه عند استه ألا وإن أفضل الجهاد كلمة حق. وإنما قال سفيان كلمة عدل عند سلطان جائر قال فبكى أبو سعيد فقال فكم رأينا من منكر فلم ننكره. ألا وإن بني آدم خلقوا على طبقات فمنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت مؤمنا ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت كافرا ومنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت كافرا ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت مؤمنا ومنهم سريع الغضب سريع الفيء فهذه بتلك ومنهم بطيء الغضب بطيء الفيء فهذه بتلك ألا وإن الغضب جمرة من النار فمن وجد منكم فكان قائما فليجلس وإن كان جالسا فليضطجع.
قام أبو بكر رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية: (يا أيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب
حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك ودع أمر العوام فإن من ورائكم أيام الصبر فيهن مثل قبض على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله. وزادني غيره قال أجر خمسين منكم.
عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من كان قبلكم كانوا إذا عمل العامل بالخطيئة نهاه الناهي تعذيرا حتى إذا كان الغد جالسه وواكله وشاربه كأنه لم يره على خطيئة بالأمس فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض ثم لعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم
عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمرا لله عليه فيه مقال ثم لا يقوله فيقول الله ما منعك أن تقول فيه فيقول رب خشيت الناس فيقول وأنا أحق أن تخشى.
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب ثم ليدعو خياركم فلا يستجاب لهم لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليبعثن الله عليكم من لا يرحم صغيركم ولا يوقر كبيركم.
عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كيف أنتم إذا طغى نساؤكم وفسق شبابكم وتركتم جهادكم قالوا وإن ذلك لكائن يا رسول الله قال نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون قالوا وما أشد منه يا رسول الله قال كيف أنتم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر قالوا وكائن ذلك يا رسول الله قال نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون قالوا وما أشد منه يا رسول الله قال كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكرا ورأيتم المنكر معروفا قالوا وكائن ذلك يا رسول الله قال نعم وأشد منه سيكون يقول الله تعالى بي حلفت لأتخذن لهم فتنة تصير الحليم فيهم حيرانا.
عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي على الناس زمان يكون أكبرهم وجوههم وجوه المؤمنين قلوبهم قلوب الذئاب الضواري سفاكون للدماء لا يرعون عن قبيح فعلوه إن تابعتهم واروك وإن حدثوك كذبوك وإن ائتمنتهم خانوك وإن تواريت عنهم اغتابوك صبيهم عارم وشابهم شاطر وشيخم فاجر لا يأمرهم بمعروف ولا ينهاهم عن منكر الاختلاط بهم ذل وطلب ما في أيدهم فقر الحليم فيهم غاو والغاوي فيهم حليم السنة فيهم بدعة والبدعة فيهم سنة والآمر بينهم بالمعروف متهم والفاسق منهم مشرف والمؤمن بينهم مستضعف فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم أقواما إن تكلموا يقبلونهم وإن سكتوا استباحوهم يستأثرون عليهم بفيئهم ويطأون حريمهم ويخونون في حكمهم.
خطب علي رضي الله عنه ثم قال يا أيها الناس إنما هلك من هلك قبلكم بركوبهم المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار فلما تمادوا في المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار أدركتهم العقوبات فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن ينزل بكم الذي نزل بهم واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقطع رزقا ولا يقرب أجلا