أهملت نفسها كثيرا ، حدادا على وفاة والديها،،، اليوم بالذات كحلت عينيها، وصبغت خديها وشفتيها بحمرة خفيفة، شيء خير من لا شيء، بل زرع بها بعضا من الثقة بنفسها والطمأنينة والأمل، لم تعد تذكر أنها ابنة سائق التاكسي ،،،،
تودد لها الضيف الذي قدم عند جارتها، بل غازلها واهتم بها حتى اعتبرته أفضل النــــــاس في نظرها، انساقت إليه بدافع عواطفها المكبوتة ورغبتها الملحة في الحياة التي لا تموت إلا بالموت نفسه،،،، مرت الأيام بسرعة ،، صورته المحبوبة أنبتت لها زهرة الحلم والأمل بالمستقبل الجميل ، الذي يسري من القلب لينتشر مع الدم في شرايينها وأعصابها،،،،
وعدها بالزواج والعيش الرغيد تحت سقف واحد، سافر إلى مدينته ليخبر العائلة ويجهز مراسيم الخطوبة الرسمية، كان يبدو فرحا مسرورا ،، عكسها،،، لم يكن لديها وقت واسع للتمتع والدلال، ازدادت دقات قلبها، ركبها الاضطراب والقلق والخوف من المجهول، لكنها أمعنت في السير دون التفكير في التراجع، بل خطوة إلى الأمام تهون وقع ما تشعر به.
مضى زمن وأصبح قديما، وصلها خطاب منه، تغلبت على الخوف والفرح مما يحمله، متشبثة بالأمل الحلو الذي تتخيله في عينيها وفي نهاية طريقها،،، فتحته وبدأت في التهام الكلمات والسطور وهي تبحث عن شيء ضائع بين طياته، إلى أن استقر نظرها على....
لن اكذب عليك عزيزتي ... لن أفي بوعدي ... أمسكتها حيرة وشك، نفض قلبها الغبار عن جوهره، دبت فيه برودة الموت وحرارة النبض، لا تدري عما يمكن أن يصيبها من هول المفاجأة والصدمة، فهمت ما فهمت وأن الأمر لم يكن جادا من طرفه بل لهوا وتسلية ولم يأسف عن هذا بل زاد تسلطا وجبروتا ،،، لم تعد تعي ما تقرأ بل همهمت : بصوت متحشرج ضعيف منهزم أجل هذه طعنة أخرى دامية في القلب ، رددت باستسلام :لك ما تشــــاء ، _رغم أن صدرها يعتصر من الضيق و الألم_ ، يحق لك أن تسخر مني فلا خوف عليك !!!! الحمد لله على هذا عوض انتظار طويل موجع، ما على إلا أن ادفن من جديد هذا الأمل الوليد، لا سبيل إليه بعد الآن ،،،، تبا لـــه.