كم من مسلمٍ يفرح بقدوم رمضان، فيتوب مؤقتًا ويؤدي عبادات شكلية، ثم يظن إنه قد فاز ونجا!
والنبي يقول "رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامه إلا السهر" [رواه ابن ماجه وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح]
فلا تقنع بالظاهر وتُهدر الأصل، فيحبط عملك! .. عِش الحقيقة، ولا تخدع نفسك بالوهم ..
لذا ينبغي عليك أن تنظر لرمضان نظرة إيمانية، جديدة وواقعية تناسب هذا الزمان ..
فتراه كالبحر ..
رمضان يشبه البحــر
فعلى الرغم من إن الله عزَّ وجلَّ قد امتن علينا بتسخيـر هذا البحر العظيم لنا، لكن ليس كل من يدخل البحر ينال من خيراته وكنوزه .. فكم حمل البحر أقوامًا لمنافعهم وأعطاهم ومنحهم، وكم ابتلع البحر من غرقى وأهلكهم ..
وهكذا رمضــان .. كم فيه من ناجٍ، وكم فيه من خاسر!!
خيــرات رمضان .. من أول موجة!
تأمل النفحات التي تُرسل وتفيض مع أول لحظة من لحظات رمضان .. عن أبي هريرة عن رسول الله قال: "إذا كانت أول ليلة من رمضان صُفِّدَت الشياطين ومردة الجن، وغُلِّقَت أبواب النار فلم يُفْتَح منها باب، وفُتِّحَت أبواب الجنة فلم يُغلق منها باب، ونادى مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك في كل ليلة" [رواه ابن ماجه وصححه الألباني (1642)]
لكن الانتفاع بهذه النفحــــات ليس لكل من أدركها .. لأن رمضان كالبحر؛ ليس كل من رآه أو نزل فيه يفوز بما يحويه ..
والبحر ليس هو النعمة، وإنما تسخيره هو النعمة ..
وكذلك رمضان؛ مجرد إدراكه ليس هو الفوز، وإنما الفوز في اغتنام بركــاته ..
عن طلحة بن عبيد الله: أن رجلين من بلى قدما على رسول الله وكان إسلامهما جميعًا، فكان أحدهما أشد اجتهادًا من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاسْتُشْهد، ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي، قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة، إذا أنا بهما فخرج خارج من الجنة فأذن للذي توفي الآخر منهما، ثم خرج فأذن للذي استشهد، ثم رجع إليَّ، فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعد، فأصبح طلحة يُحَدِّث به الناس فعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسول الله وحدثوه الحديث فقال "من أي ذلك تعجبون؟"، فقالوا: يا رسول الله، هذا كان أشد الرجلين اجتهادًا ثم استشهد، ودخل هذا الآخر الجنة قبله!
فقال رسول الله "أليس قد مكث هذا بعده سنة؟"، قالوا: بلى، قال "وأدرك رمضان فصام، وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟"، قالوا: بلى، قال رسول الله "فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض" [رواه ابن ماجه وصححه الألباني (3925)]
أدرك رمضان .. فصامه حقًا؛ ولذلك ارتفعت درجته في الجنة عن صاحبه الذي استُشهد ..
فالإيمان والاحتساب شرطان لحصول الأجر والفوز ببركـات رمضان ..
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه. ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه . ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه" [متفق عليه]
أما مجرد إدراك رمضان بلا توفيق، فليس فقط خسارة حسنات، وإنما شقاء وعذاب!
عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : احضروا المنبر، فحضرنا، فلما ارتقى درجة، قال: آمين، فلما ارتقى الدرجة الثانية، قال: آمين، فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال: آمين. فلما نزل، قلنا: يا رسول الله، لقد سمعنا منك اليوم شيئًا ما كنا نسمعه،
قال "إن جبريل عليه السلام عرض لي فقال: بَعُدَ من أدرك رمضان فلم يُغْفَر له، قلت: آمين، فلما رقيت الثانية، قال: بَعُدَ من ذكرت عنده فلم يصلِّ عليك، فقلت: آمين، فلما رقيت الثالثة، قال: بَعُدَ من أدرك أبويه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة، قلت: آمين" [صحيح الترغيب والترهيب (995)]
فإذا استقر عندك مدى خطورة إدراك رمضان دون أن يُغفر لك ..
فهلم إلى مركب الاستعداد لاغتنام بركاته .. فِرَّ إلى سفينة النجــاة من النــار ..
اركب فلك التهيؤ لعلو الهمة في العبادة،،
اركب معنـــا سفينة النجــاة
إذا كان نوح عليه السلام قد نادى ابنه في طوفان يُغرِق، فتَهلك به الأجســاد .. فها أنا ذا أخي أناديك من وسط طوفانــات الفتن التي تحيط بقلبك في رمضان ..
اركب معنــا .. ولا تخسر رمضان!
اركب معنــا .. لنُبحِر نحو الفردوس الأعلى من الجنة ..
قال رسول الله ".. إِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ .." [صحيح مسلم (1844)]
اللهمَّ نجنـــا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ..
كم من شخص ممن يتقلب في مزالق المعاصي والغفلة .. فإذا بالدعوة تبلغه على صفحات الإنترنت دون أن يقصد التعرض لها .. الله يكرمه بالهداية بينما كان هو في معزل ..
ولعل عينك وقعت على هذه الصفحة الآن دون قصد منك، لتقول لك:
هيــا أدرك نفسك! .. خذ مكانك في سفينة النجـــاة ..
سفينة الوصول إلى ربك .. الذي يناجيك ويناديك كل ليلة " هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟" [صحيح الجامع (8167)]
وهذا رمضان يناديك:
يا باغي الخيـر أقبل .. ويا باغي الشر أقصِر ..
هيــا نلبي النداء .. ونتسابق للجنان والرضوان ..
فأعتق نفسك مما أنت فيه واركب معنــا ..