الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد.
للصائمين نغمات
خاصة، وأهازيج موقرة، وحداء خالد.
الصائمون أكثر الناس ذكراً لله ـ عز وجل ـ
تسبيحاً وتهليلاً وتكبيراً واستغفاراً،
إذا طال النهار على الصائمين قصروه
بالأذكار، وإذا آلمهم الجوع أذهبت حرارتَه الأذكار،
فهم من ذكرهم في متعة، ومن
تسبيحهم في سعادة. يذكرون الله فيذكرهم:
«فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ» (البقرة:
من الآية152).
الصائمون الصادقون يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى
جنوبهم.
الصائمون الصادقون تطمئن قلوبهم بذكر الله، وتسعد أرواحهم بحب
الله،
وترتاح نفوسهم بالشوق إلى الله. صحّ عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه
قال:
«مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحي والميت». فلا إله إلا
الله،
كم من ميت ما عرف الذكر وهو يعيش في الحياة ويأكل ويشرب ويسرح ويمرح فما
ما عرف الحياة أبداً.
وصحّ عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال: «سبق
المفردون. قالوا:
وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً
والذاكرات».
الصائم الذاكر أسبق الناس إلى الخيرات، سريع إلى الجنة، بعيد عن
النار،
سجلاته مليئة بالحسنات، مفعمة بالخيرات، فهنيئاً له.
صحّ عنه ـ
عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال لرجل سأله عن عمل يتشبث به:
«لا يزال لسانك رطباً
من ذكر الله».
والتعبير هذا جميل كل الجمال، غاية في الروعة، نهاية الإبداع. كيف
يجوع الصائم وهو يذكر الله دائماً؟
كيف يظمأ الصائم وهو يسبح بحمد الله
أبداً؟
اذكرونا مثل ذكرانا لكم رُبّ ذكرى قرّبت مَن نزحا واذكروا صَبّا إذا
مَرّ بكم سكب الدمع ونادى الفرحا
الذاكرون الله كثيراً هم الذين يذكرونه مع خروج
الأنفاس، وتلاقي الشفتين، وتعاقب اللحظات.
الذاكرون الله كثيراً سجلوا
بذكرهم أعظم الأجور، وأعلى الأمنيات، وأجزل الأعطيات.
إذا أعرض بعض المقصرين
عن ذكر رب العالمين اجتاحتهم الهموم، وأحدقت بهم الغموم،
وتوالت عليهم الأحزان،
عندهم الدواء ولكن ما تناولوه، ولديهم العلاج ولكن ما عرفوه:
«أَلا بِذِكْرِ
اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (الرعد: من الآية28).
صحّ عنه ـ عليه
الصلاة والسلام ـ أنه قال: «من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة».
فكم من النخيل يفوت أهل النوم الثقيل والعبث الطويل! أتشفق للمصرّ على
الخطايا
وترحمه ونفسك ما رحمتا تقطعني على التفريط دوماً وبالتفريط دهرك قد
قطعتا صحّ عنه ـ
عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال: «لئن أقول: سبحان الله، والحمد
لله،
ولا إله إلا الله، والله أكبر أحبّ إلي ممّا طلعت عليه الشمس».
ما هي
الدنيا؟ ما هو ذهبها؟ وما هي فضتها؟ أي شيء قصورها ودورها؟ هكذا يزنها ـ
عليه
الصلاة والسلام ـ ويثمنها، فكل ما طلعت عليه الشمس لا يساوي «سبحان الله،
والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر». فهل من ذاكر يملأ ساعاته بهذه
الكلمات الغاليات؛
ليجدها يوم العرض الأكبر نوراً وحبوراً وسروراً؟
صحّ
عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند
مليككم،
وخير لكم من إنفاق الذهب والورِق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا
أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا:
بلى، يا رسول الله! قال: ذكر الله
تعالى».
كان الأبرار إذا صلوا الفجر يذكرون الله ـ عز وجل ـ حتى يرتفع
النهار،
كان بعضهم ينشر مصحفه بعد صلاة الفجر، فيسرح طرفه في الآيات البينات
والحكم البالغات،
فيملأ صدره نوراً وديوانه أجراً.
إن المقصر كل التقصير
من فاته رمضان، ولم يسعد فيه بذكر ربه،
ولم يصرف ساعاته في تسبيح
مولاه.
فهل من مثابر يغتنم أنفاس العمر ودقائق الزمن؟
دقات قلب المرء
قائلة له إن الحياة دقائق وثوانِ فارفع لنفسك قبل موتٍ ذكرها فالذكر للإنسان عمرٌ
ثانِ