وصف الموت:
حضرت الوفاةُ عمرو بن العاص الذي يسمى أرطبون العرب لأنه كان داهية من الدهاة , ولكن لا حيلة مع الموت... أبطل الموتُ حيلةَ الدهاة , وأعدم الموت قوة الأقوياء , ونسف الموت بنيان الأغنياء , فلما أصبح في سكرات الموت قال له ابنه عبد الله الزاهد: يا أبتِ صف لي الموت, فإنك أصدق واصف للموت! (لأنه الآن يعاني سكرات الموت)
قال: يا بني, والله كأن جبال الدنيا على صدري , وكأني أتنفس من ثقب الإبرة.....
وأورد ابن رجب أن كعب الأحبار قال له عمر رضي الله عنه وأرضاه: صف لي الموت.
قال: يا أمير المؤمنين , ما مثل الموت إلا كرجل ضُرب بغصن من شوك من سدر أو طلح فوقعت كل شوكة في عرق , فسحب الغصن فانسحب معها كل عرق في الجسم.
إذا وضعت في الحفرة:
والله لو عاش الفتى في عمره ****** ألفا من الأعوام مالك أمره
متنعما فيها بكـل لذيــذة ******* متلذذا فيها بسـكن قصره
لا يعتريه الهم طول حـياته ******* كلا ولا ترد الهموم بصدره
ما كان ذلك كــله أن يفي ******* فيها بأول ليلة في قبــره
كان عمر بن عبد العزيز أميرا من أمراء الدولة الأموية يغير الثوب في اليوم أكثر من مرة وعنده المال والخدم والقصور والمطاعم والمشارب وكل ما اشتهى وكل ما طلب وكل ما تمنى.
فلما تولى الخلافة وتقلد ملك الأمة الإسلامية انسلخ من ذلك كله لأنه تذكر أول ليلة في القبر.
وقف على المنبر يوم الجمعة, وقد بايعته الأمة و حوله الأمراء والوزراء والشعراء والعلماء و قواد الجيش فقال: خذوا بيعتكم. فقالوا: ما نريد إلا أنت , فتولاها. فما مر عليه أسبوع أو أقل إلا وقد هزل, وضعف وتغير لونه, ولم يكن عنده إلا ثوب واحد.....!
فأراد المسلمون أن يعرفوا سبب ضعفه الذي بدا ظاهرا عليه فجأة فقالوا لزوجته: ما لعمر قد تغير؟
قالت: والله ما ينام الليل ووالله إنه ليأوي إلى فراشه فيتقلب كأنه نائم على الجمر, ويقول: آه لقد توليت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم وسوف يسألني يوم القيامة الفقير والمسكين والطفل والأرملة.
ويحكى عنه أيضا, أنه خرج من صلاة العيد فلما مر بالمقبرة وقف وبكى بكاء طويلا ثم قال: يا أيها الناس هذه قبور أجدادي وآبائي وإخواني... وجيراني.
أتدرون ماذا فعل بهم الموت؟
ثم بكى بكاء طويلا... فقال الناس: ماذا فعل يا أمير المؤمنين؟
قال: يقول الموت: إنني فقأت الحدقتين, وأكلت العينين, وفصلت الكفين عن الساعدين, والساعدين من العضدين, والعضدين من الكتفين, والقدمين من الساقين, والساقين من الركبتين, وفصلت كل شيء على حدة.