قد يقصد بالقلب قطعة اللحم العضلية المودعة في الجانب الأيسر من صدر الإنسان، وهذا المعنى هو المتعارف عليه عند رجال الطب الذين يهتمون به عندما يمرض هذا القلب، وليس هذا المقصود في هذا المقام ولكن يقصد به: الروحانيات الربانية المعنوية المودعة في فؤاد الإنسان، وهو المخاطب من قبل الله عز وجل، وهو محل الإيمان والتقوى والإحسان والذكر والحب والأمن، وهو كذلك موضع الكفر والنفاق والرياء والحقد والحسد والكراهية والقلق، وهذا المعنى هو ما أشار الله عز وجل إليه في قوله: : (ونفس وما سواها (7) فألهمها فجورها وتقوها (8) قد أفلح من زكاها (9) وقد خاب من دساها (10)) (الشمس)، ولقد عبر القرآن عن هذا المعنى في قوله عز وجل: (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم) (الحجرات)، ولقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ارتباط الإيمان بالقلب، فقال: (ليس الإيمان بالتمني لكنه ما وقر بالقلب وصدقه العمل).
* لماذا سمى القلب قلبًا؟
يطلق أحيانًا على القلب: الفؤاد، كما ورد في قوله تبارك وتعالى: (كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً) (الفرقان: 32)، ويطلق عليه النفس كما ورد فى قوله عز وجل: (يا أيتها النفس المطمئنة (27) ارجعي إلى ربك راضية مرضية (28) فادخلي في عبادي (29) وادخلي جنتي (30)) (الفجر) .
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "سمِّي القلب قلبًا لسرعة تقلبه"، فقد ورد عنه أنه قال: "مثل القلب كمثل ريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح ظهرًا لبطن" ( رواه أحمد والطبرانى والبيهقي)، وقال صلى الله عليه وسلم: "لقلب ابن آدم أسرع تقلبًا من القدر إذا استجمعت غليانًا" وفي رواية أخرى: "قلب المؤمن أشد تقلبًا من القدر في غليانها"، فالقلوب ليست على حال ثابت، وهي بيد الله عز وجل المتصرف في أحوالها، يلقي في قلوب المؤمنين الإيمان والصلاح والطاعة، كما يلقي في قلوب الكافرين النفاق والرياء والحسد، وهذا كله بقدرته وحكمته وعلمه.
* أحوال القلوب:
عن علي أو حذيفة رضى الله عنهما قال: "القلوب أربعة: قلب أجرد فيه سراج ويُزْهَرْ، فذلك قلب المؤمن، وقلب أغلف، فذاك قلب الكافر، وقلب منكوس ، فذاك قلب المنافق، وقلب فيه مادتان: مادة تمده بالإيمان، ومادة تمده بالنفاق فأولئك قوم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا" (رواه الإمام أحمد في مسنده).
وقد يتحول القلب من نوع إلى نوع ومن حال إلى حال بقدرة الله عز وجل، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا"
* تردد القلوب بين الخير والشر:
يقول أهل العلم والصلاح: إن هناك قوتين رئيسيتين تتنازعان القلوب هما: قوى الخير وقوى الشر، والقلوب بينهما على النحو التالي:
v قوى الخير: تغمر هذه القوى القلوب بالإيمان والتقوى ومكارم الأخلاق، وتسير الجوارح نحو الأعمال الصالحات، فيهدي العقل إلى الرشد، وينشرح الصدر ويبتهج الفؤاد ويطمئن بذكر الله، ويستشعر صاحبه بحلاوة كل ذلك في قلبه، ودليل ذلك قول الله عز وجل: (قد أفلح من زكاها(9)) (الشمس)، وقوله تبارك وتعالى: (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)) (الرعد)، كما يحب أصحاب هذه القلوب لقاء الله عز وجل ، وهذا ما ورد في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه"، وعندما يموت المؤمن تقول الملائكة لروحه: (يا أيتها النفس المطمئنة (27) ارجعي إلى ربك راضية مرضية (28) فادخلي في عبادي (29) وادخلي جنتي (30))( (الفجر: 27-30).
v قوى الشر: تغلف هذه القوى القلب بالران، وتجره إلى مفاسد الأخلاق وسوء الأعمال، ويصبح الصدر منغلقًا، والفؤاد منقبضًا، يتبع هوى نفسه الأمارة بالسوء، ويرتكب المعاصي والذنوب، لا تتأثر بالوعيد والنذير، تعلقت بالدنيا والمال والنساء.
من أي نوع قلبك؟
وعلى المسلم أن يعرف نفسه من خلال قلبه من أي نوع هو؟ فإذا استشعر بحلاوة الإيمان وانشرح صدره، فرح فؤاده وأقبل على الأعمال الصالحات وحب الله فقد صلح قلبه وإذا حرم من ذلك وزين له الشيطان سوء عمله فقد فسد قلبه وفسدت كل أعماله، ومصداق ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ".. ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" (رواه البخارى ومسلم).
ويجب على المسلم أن يزيد من قوى الخير، ويتجنب أفعال الشر.
من أدعية القلوب:
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا علــى دينــك.. اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك (رواه مسلم).
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم ألا يزيغ قلوبنا بعد أن هدانا، وأن نلقاه بقلوب سليمة راضية مرضية.
-------
* الأستاذ بجامعة الأزهر- خبير استشاري في المعاملات المالية الشرعية.