ما هي شروط (لا إله إلا الله) كلمة التوحيد، وهل من قال: (لا إله إلا الله) فقط
دون أن يعمل يدخل الجنة؟
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله وسلم
على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فقد دلت الأدلة الشرعية
من الكتاب والسنة على من أتى بالتوحيد ومات عليه دخل الجنة، من ذلك قوله - صلى الله
عليه وسلم -: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها حرمت
علي دماؤهم وأموالهم إلا بحقها)، ومنها حديث عبادة بن الصامت: (من شهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله
وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، وأن الجنة حق والنار حق؛ أدخله الله الجنة على
ما كان من العمل). وهناك أحاديث كثيرة تدل على أن من قال لا إله إلا الله صادقاً
موحداً، يتضمن كلامه براءته من الشرك، وإيمانه بأن الله هو المستحق للعبادة فإنه
يدخل الجنة، ويكون من المسلمين، مع الإيمان بشهادة بأن محمد رسول الله، والإيمان
بكل ما أخبر الله به ورسوله مما بلغه ذاك الوقت، ثم يطالب بعد ذلك بشرائع الإسلام،
فإذا أدرك الصلاة وجب عليه أن يصلي، وهكذا الزكاة وهكذا الصيام وهكذا الحج، وإن مات
بحال بعد التوحيد دخل الجنة، لو أسلم ومات بالحال دخل الجنة، لأنه ما أدرك العمل
ولا فعل شيئاً من السيئات، والإسلام يجب ما قبله، والتوبة تهدم ما كان قبلها، فإن
عاش حتى أدرك الصلاة لزمته الصلاة، فإن أبى وجحدها كفر، وإن لم يصلي كفر، وهكذا إذا
أدرك الزكاة يجب عليه الزكاة، فإن أبى صار عاصياً يستحق دخوله النار، وهكذا إذا
أدرك الصيام ولم يصم صار عاصياً يستحق دخول النار إلا أن يعفو الله عنه، وهكذا إذا
زنى أو سرق أو ما أشبه ذلك صار عاصياً يستحق دخول النار إلا أن يعفو الله عنه، فصار
تحت مشيئة الله، (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، المقصود
أنه متى دخل في الإسلام ووحد الله وتبرأ من الشرك كله، وآمن بكل ما أخبر الله به
ورسوله يكون مسلماً، ثم يطالب بحقوق الإسلام من صلاةٍ و غيرها، وترك المعاصي، فإن
ترك المعاصي وأدى الحقوق تم إسلامه وإيمانه، وإن مات في الحال قبل أن يدرك شيء من
الأعمال فله الجنة؛ لأن إسلامه جب ما قبله من الشرور، فإن عاش باشر بعض المعاصي، أو
ترك بعض الواجبات فهو تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر له وأدخله الجنة بتوحيده، وإن
شاء عذبه على قدر المعاصي التي مات عليها، كما تقدم في قوله - سبحانه وتعالى -: (إن
الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، وهذا بإجماع المسلمين، بإجماع
أهل السنة والجماعة، والعاصي تحت المشيئة لا يكفر خلافاً للخوارج، ولا يخلد في
النار كما تقول الخوارج والمعتزلة، لا، بل هو تحت مشيئة الله، إذا مات على الزنا،
على السرقة، على عقوق الوالدين، على شرب المسكر، على أكل الربا، لكن لم يستحلها يرى
أنها معاصي،لغير مستحل ولكن غلبه الهوى والشيطان فهو يعرف أنها معاصي؛ تحت مشيئة
الله إن شاء الله عفا عنه وإن شاء عذبه في النار على قدر المعاصي التي مات عليها،
بعد التطهير والتمحيص يخرجه الله من النار بإجماع أهل السنة والجماعة، لا يخلد في
النار إلا الكفرة خلافاً للخوارج والمعتزلة الذين يقولون: إن العاصي إذا مات على
المعصية يخلد في النار، وتقول الخوارج: إنه يكفر، وقولهم باطل عند أهل السنة
والجماعة، من أبطل الباطل، والآية الكريمة ترد عليهم، وهي قوله - سبحانه وتعالى -:
(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، وأما قوله - صلى الله
عليه وسلم -في الزاني: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين
يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن)، فالمراد هو الوعيد والتحذير،
يعني ليس مؤمناً إيماناً كاملاً، عنده نقصٌ في إيمانه وليس معناه أنه كافر؛ لأن
الآيات يصدق بعضها بعضاً والأحاديث يصدق بعضاً بعضاً، وكتاب الله لا يكذب بعضه
بعضاً، والسنة لا تخالف القرآن، فوجب أن تفسر النصوص بالنصوص، يفسر النص بالنص،
تقول: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) يعني الإيمان الواجب الكامل، لو كان عنده
إيمانٌ كامل ما زنى، لكن عنده نقص فلذلك وقع في الزنى، وقع في الخمر لنقص إيمانه،
ليس معنى أنه كافر لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم – أمر في حق الزاني أن يحد،
يقام عليه، ويكون الحد كفارة له، وشارب الخمر كذلك يقام عليه الحد والحد كفارةٌ له،
وإذا مات الزاني على الزنى بعد الحد دخل الجنة وصار الحد كفارةً له، ولهذا يقول -
صلى الله عليه وسلم – في حديث عبادة في الصحيحين لما ذكر المعاصي قال: (فمن أدركه
الله في الدنيا -أي بالحدود الشرعية- كان كفارة له، ومن أجَّله الله إلى الآخرة
فأمره إلى الله)، كما قال تعالى: (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، فأهل السنة والجماعة
يقولون: إن صاحب المعاصي تحت المشيئة إذا كانت المعصية دون الشرك، ولم يستحلها فهو
تحت المشيئة، كالزاني وشارب الخمر وآكل الربا والعاق لوالديه ونحو ذلك، أما من
استحل المعاصي، استحل الزنا، قال الزنا حلال، تقام عليه الحجة، فإذا بُيِّنَ له
الدليل وأصر على أن الزنا حلال كفر، وصار كافر الكفر الأكبر، وهكذا من يقول: أن
الخمر حلال ويُبَيَّن له الدليل ويصر يكون كافراً، وهكذا من يقول السرقة حلال، أو
الربا حلال يبين له الأدلة، فإذا أصر على أن الربا حلال كفر، وهكذا من قال عقوق
الوالدين حلال يبين له الأمر فإذا أصر بعد الأدلة كفر، وهكذا من يقول إن اللواط
حلال، وهكذا من استحل المعاصي المعروفة من الدين بالضرورة استحلها وبين له الدليل
وأصر كفر، أما من مات على المعصية وهو يعرف أنها معصية لم يستحلها يعرف أنه عاصي
مات وهو زاني، مات وهو شارب الخمر مات وهو يرابي، وهو يعرف أنه عاصي فيكون تحت
مشيئة الله، إن شاء ربنا غفر له بأعماله الصالحة وتوحيده، وإن شاء عذبه على قدر
الجريمة التي مات عليها، ثم بعد التطهير والتمحيص في النار يخرجهم الله إلى الجنة،
وقد تواترت الأحاديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم – أن كثيراً من العصاة يدخل
النار ويعذبون فيها، ثم يخرجهم الله من النار وقد امتحشوا – قد احترقوا- فيلقون في
نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، فإذا تم خلقهم أدخلهم الله
الجنة. قد تواترت بها الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأجمع على هذا
أهل السنة والجماعة ولا يبقى في النار مخلداً إلا الكفرة نسأل الله العافية، أما
العصاة لا، قد يبقى فيها قد تطول الإقامة، ويسمى خلود لكنه خلود مؤقت ينتهي، فإذا
تمت المدة التي قدرها الله عليه أخرج من النار، وصار إلى الجنة لتوحيده وإسلامه،
والتوحيد له شروط ذكرها بعض أهل العلم وهي سبعة، قال بعضهم ثمانية، جمعها بعضهم في
بيتين: علمٌ يقينٌ وإخلاصٌ وصدقُك مع محبـة وانقيـاد والقبول لها وزيد ثامنهـا
كفراً منك بمـا سوى الإله من الأشياء قد ألها فإذا فهمها طالب العلم وأتقنها وأداها
كان هذا كمال التوحيد والإيمان، وإن كان عامي لا يعرف هذه الشروط ولكنه تبرأ من
الشرك وآمن بالله ووحده كفى، وإن لم يعرف الشروط، متى تبرأ من الشرك وتبرأ من
الكفر، واعتقد بطلانه وآمن بالله ووحده كفى. يقول علمٌ: يعني يعلم أن الله جل وعلا
هو المستحق للعبادة، وأن معنى لا إله إلا الله معناها لا معبود حق إلا الله، يقين
يقولها بيقين ما هو بشك، يوحد الله عن يقين، وإخلاص يعني ما أشرك بالله غيره؛ بل
أخلص لله مع الصدق، خلاف المنافقين يقولونها وهم كاذبون، المنافقون، هذا كافر، إذا
قالها ظاهراً وهو يكذبها في الباطن هذا كافر، مع المحبة مع محبة الله ومحبة توحيده،
الذي ما يحب الله كافر، أو يكره التوحيد أو يكره الإيمان كافر، (ذلك بأنهم كرهوا ما
أنزل الله فأحبط أعمالهم)، وهكذا القبول يقبل الدين، يقبل الحق، ينقاد له، أما إذا
رد الحق ولم يقبله ولم ينقد للحق؛ بل .... ولم يقبله أن يوحد الله، ولم يترك الشرك
يكن كافراً. ولا بد من الكفران بما يعبد من دون الله، كما قال تعالى:فَمَنْ
يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ
الْوُثْقَىَ (256) سورة البقرة)، يعني يكفر بعبادة غير الله، يعني ينكرها، يعتقد
بطلان عبادة غير الله ينكرها ويتبرأ منها، هذا معنى قول الشاعر: وزيد ثامنهـا كفراً
منك بمـا سوى الإله من الأشياء قد ألها فالمقصود أن المؤمن يعلم الحق ويعتقده ويصدق
في ذلك، ويتبرأ من الشرك وأهله وينقاد للحق ويطمئن إليه ويحب الله ورسوله، هكذا
المؤمن ولو ما عرف الشروط، متى قبل الحق وانقاد لتوحيد الله، وأخلص لله وأحب الله،
وانقاد لشرعه، ولم يكن كاذباً كالمنافقين صار إيمانه صحيح