الســــــلام عليكـــــــــم و رحمــــــــة اللــــــه و بـركاتـــــــــه
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ فلا تزكوا أنفسكم }
_______________
داء العجب و الكبر ...
( وصفه , علاماته و مظاهره , سببه ,علاجه )
_______________________________
فلما كان القلب محط نظر الرحمن جل في علاه و أساس صلاح الإنسان كما قال النبي صل الله عليه و سلم ( ان في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله ألا و هي القلب ) , كان الواجب على العاقل أن يعتني بصلاح قلبه فلا يجعله عرضة للأمراض و الأدواء تفتك به كما تشاء , بل يسارع إلى معالجة قلبه و تطهيره من الأدران و الأوساخ قبل أن تُفسده و من ثَمّ يموت .
وصــف مـــرض العُجـــب و الكبـــر و خطـورتـــه
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
_________________________________
العُجب هو استعظام النعمة و الفرح بها و الركون إليها مع نسيان إضافتها إالى المنعم و هو الله تعالى , و ذلك كأن تستعظم نفسك و ما يصدر عنها من أقوال و أفعال فترى نفسك صاحب علم و فهم و أهلاً للتصدر و أن يتبعك الناس , فإذا جمعت مع هذا الاستعظام و الإعجاب بالنفس استصغار غيرك و احتقارهم و ازدرائهم و رفض الإنقياد لهم و اتباعهم و إن كان الحق معهمفقد أُصبت بمرض الكبر ... فأعظم الله أجرك في قلبك إن لم يتداركّ الله برحمته !
-----------------------------------
ثم انظر يا عبد الله معي لخطورة هذا المرض حيث إن صاحبه معرض للأمور التالية :
( 1 ) - سقوطـه من عيـن اللـه و بغضـه لـه :
قال تعالى { و لا تُصَعَّر خَدَّكَ للنَّاس في الأَرض مَرَحاً إنَّ اللَّه لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُختَالٍ فَخُورِ } - لقمان - 18 , و قال تعالى : { إنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُستَكبرِينَ } - النحل - 23 , و من أبغضه الله فماذا بقي له ؟!
-----------------------------------
( 2 ) - الطبـع علـى قلبـه و حـرمـانـه الهـدايـة :
قال تعالى { كَذَلِكَ يَطبَعُ اللهَُ عَلَى كُلَّ قَلبِ مُتَكَبَّرِ جَبَّارِ } - غافر - 35 - , و قال تعالى : { سَأصرفُ عَن آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُن فِي الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ } - الأعراف - 146 ... و أي خير في القلب بعد أن يطبع الله عليه ؟! { فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } - الحج - 46 .
-----------------------------------
( 3 ) - حـرمـانـه الـجنـة و تـوعـده بـالـنـار :
نسأل الله العفو و العافية - , ففي الحديث الذي رواه مسلم قال رسول الله صل الله عليه و سلم : ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ) و يا الله لهذا الحديث الذي تجثو له الركب ... فأيُنا يا عبد الله خلا قلبه من مثقال ذرة من كبر ؟!
و في الحديث الذي رواه الترمذي و حسنه ( يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذَّر في صورة الرجال يغشاهم الذُل من كل مكان يُساقون إلى سجن في جهنم يُسمى بولس تعلوهم نار الأنيار يُسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال ) و في رواية ( يُحشر الجبارون و المتكبرون يوم القيامة في صورة الذَّر تطؤُهم الناس لهوانهم على الله ) و صدق الله { وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ } - الحج - 18 .
-----------------------------------
( 4 ) - تـوعـده بـعـقـوبـة عـاجـلـة فـي الـدنيـا :
ذلك أن المتكبر و المُعجب بنفسه قد نازع الرب جل في علاه في أخص صفاته ففي الحديث القدسي قال الله تعالى : ( الكبرياء ردائي و العظمة إزاري فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار ) , و في البخاري ( بينما رجل ممن كان قبلكم يجر إزاره من الخيلاء خُسِف به فهو يتجلجل في الأرض إالى يوم القيامة .....
فاللهم عفوك !
-----------------------------------
( 5 ) - إن المـتـكبـر شـر عـبـاد اللــه :
ففي مسند أحمد رحمه الله عن حذيفة رضي الله عنه قال : ( كنا مع النبي صل الله عليه و سلم في جنازة فقال : ألا أخبركم بشَرِّ عباد الله ؟ الفَظَُ المُستكبر , ألا أخبركم بخير عباد الله ؟ الضعيف المُستضعف ذو الطمرين لا يُؤبَهُ له او أقسم على الله لأبرَّه ) .
ذو الطمرين : أي ذو ثوبين ممزقين . فهذا يا عبد الله غيض من فيض خطورة هذا المرض ... فانظر لنفسك فأدركها قبل فوات الأوان !
_____________________________________
عـــلامـــات الــكــبـــر و الـــعــجــــب و مــظـــاهـــره
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
______________________________________
إن لهذا المرض علامات تستطيع بها الكشف عن نفسك و ملاحظة ما فيها من كبر و عجب , و لعل أبرز هذه العلامات ما ذكره طبيب القلوب محمد صل الله عليه و سلم بقوله : ( الِكبر بَطرُ الحق و غَمطُ الناس ) أي رد الحق و دفعه لأنه لم يأت عن طريقك , و احتقار الناس و ازدراؤهم حتى ترفع نفسك و تعظمها .
و من لازم هذا الكبر مخالفة اوامر الحق , لأن المتكبر - و منهم المجادلون في مسائل الدين بالهوى و التعصب - تأبى نفسه من قبول ما سمعه من غيره و إن اتضح سبيله , بل يدعوه كِبره إلى المبالغة في تزييفه و إظهار باطله , فهو على حد قوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ } - البقرة - 206 , و إذا أردت يا عبد الله أن تظهر الكبر الكامن في نفسك و تعلم حقيقة ما سولته لك نفسك أنك منزه عن الكبر فاختبر نفسك هذا الإختبار , ذلك بأن تتناظر في مسألة مع بعض أقرانك و إخوانك و يظهر الحق على يد أخيك و صاحبك , فإن اطمأن قلبك لقبوله و أعلنت بشكر أخيك و فضله أنه ظهر لك الحق على يديه و كنت كذلك مع كل مُناظر . ظهرت لك القرائن على برائتك من الكبر , و غن اختلَّ شرط من ذلك فأنت مريض بالكبر فعليك بالعلاج .
فتزكيتك لنفسك و ثناءك عليها و شعورك الداخلي أنك ارفع مكانة عند الله من غيرك و ان على إخوانك أن يتبعوك و إلا فإنهم قد ضلوا الطريق ... هو من الكبر و العجب , و رفضك للنصيحة و التذكرة من إخوانك بدعوى أن الحق معك دائما ... هو من الكبر و العجب , و فرحك بسماع عيوب إخوانك و مسارعتك إلى إشهارها و نشر البيانات بشأنها و لو بدعوى الدفاع عن الحق ... هو من الكبر و العجب , قال الفضيل بن عياض رحمه الله " إن من علامة المنافق : أن يفرح إذا سمع بعيب أحد من أقرانه " .
_____________________________________
سـبــب الــمــرض و عـلــتــــه
~~~~~~~~~~~~~~~~~
_____________________
إن للعجب و الكبر أسباب كثيرة لكنها تجتمع في " الجهل " فالمعجب بنفسه و المتكبر على غيره لجهله بربه و حقيقة نفسه , تراه يظن نفسه خيرا من غيره , فالحامل على التكبر هو اعتقاد الكمال و التميز على الغير بعلم أو عمل أو نسب أو مال أو جاه أو جمال أو قوة أو كثرة أتباع , فالتكبر اسرع الى العلماء الذين لم يمنحوا نور التوفيق منه إالى غيرهم , لأن الواحد منهم يرى غيره بالنسبة إليه كالبهيمة , فيقصر في حقوقه التي طلبها الدين منه كالسلام و العيادة و البِشر , و يطلب منه أن لا يُخِل بشيء من حقوقه لمحبته الترفع عليه , و فاعل ذلك أجهل الجاهلين لأنه جهل مقدار نفسه و ربه , و خطر الخاتمة , وعكس الموضوع , إذ من شأن العلم أن يوجب مزيد الخوف و التواضع لعظم حجة الله عليه بالعلم , و تقصيره في شكر نعمته , لكن سبب ذلك أن علمه إما يرجع إلى الدنيا , أو لأنه لم يخلص النية فيه , فخاض فيه على غير وجهه فأنتج له تلك القبائح , و كذلك العلماء الذين ظهرت عليهم سيما الصالحين يسرع إليهم الكبر , لأن الناس يترددون إليهم بقضاء مآربهم و المبالغة في إكرامهم , فيرون حينئذ أنهم أرفع و أحق بأن يكون الناس دونهم لعدم وصولهم إالى صور أعمالهم , و ما دروا أن ذلك ربما يكون سببا لسلبهم , كما وقع أن خَلِيعاً من بني إسرائيل جلس إالى عابد لينتفع به فأنِف من مجالسته و طرده , فأوحى الله تعالى غالى نبيهم أنه غفر للخليع و أحبط عمل العابد .
فالجاهل العامي إذا تواضع و ذل هَيبَةً لله و خوفا منه فقد أطاع بقلبه فهو أطوع من العالم المتكبر و العابد المُعجَب , و المعجب غرته نفسه بربه فأمن مكره و عقابه وَعَدَّ أن له على الله حقا بعمله فزكى نفسه و أُعجب برأيه و عقله و علمه , حتى استبد بذلك و لم تطمئن نفسه أن يرجع لغيره في علم و لا عمل فلا يسمع نُصحاً و لا وعظاً لِنظَره إلى غيره بعين الإحتقار .
و من معالم هذا الجهل ما يحدث عند بعض من يتصدرون للعمل و الدعوة قبل النضج و كمال التربية أو يكونون من غير المؤهلين لهذا التصدر , ذلك أن ظروف العمل الإسلامي قد تفرض أن يتصدر العاملين للعمل قبل أن يستوي عودهم و قبل أن تكتمل شخصيتهم , أو يكونوا غير مؤهلين أصلا للتصدر , و حينئذ يأتي الشيطان فيلقىفي روعهم أنهم ما تصدروا للعمل و ما وُضِعوا في الموقع الذي هم فيه الآن إلا لما يحملون من مؤهلات و لِما لديهم من مواهب و إمكانات , و قد ينطلي عليهم , لجهلهم بمكائد الشيطان و حيله مثل هذا الإلقاء فيصورونه حقيقة و يرفعون من قدر نفوسهم فوق ما تستحق حتى يكون الإعجاب بها و العياذ بالله , و هذا هو سر حرص الإسلام على الفقه و ان يكون هذا الفقه قبل الصدارة أو القيادة لذا قال عمر رضي الله عنه " تفقهوا قبل أن تسودوا " يعني تعلموا العلم قبل أن تصيروا سادة أو أصحاب مسئولية لتدركوا ما في السيادة أو ما في المسئولية من آفات فتتقوها .
_______________________________________
الــعــــلاج و الـــــدواء
~~~~~~~~~~~~
______________
كما أن لأمراض الأبدان أدوية فإن لأمراض القلوب أدوية و لا بد , و لكن الناس اعتنوا بأدوية الأبدان و أمراضها و غفلوا عن أمراض و غفلوا عن أمراض القلوب و أدويتها و كما قال ابن حجر الهيثمي عن القلوب " و قد أهمل الناس طبها و اشتغلوا بطب الأجساد مع أنه لا سلامة في الآخرة إلا بسلامتها { إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } - الشعراء - 89 , أي من الشرك أو مما سوى الله .
و لما كان مرض الكبر و العجب من المهلكات و لا يكاد يخلو أحد من الخلق من شيء منه , و إزالته فرض عين و هي لا تمكن بمجرد التمني بل بالمعالجة باستعمال أدويته النافعة في إزالته من أصله فإن ذلك يمكن بطريقتين :
( 1 ) - يأن يتأمل العبد في نفسه و يعرفها حق المعرفة بأن ينظر إلى بداية خلقه من أذل الأشياء و أحقرها و أقذرها و هو التراب ثم المني , و إلى نهايته إلى الزوال و الفناء و العود إلى بدايته ثم إعادته إلى ذلك الموقف الأكبر ثم إلى الجنة أو إلى النار , و من أظهر ما أشار لكل ذلك قوله تعالى : { قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) } - عبس - 17 / 24 إلى آخر السورة .
فمن تأمل ذلك و نظائره و ما أشارت إليه الآيات علم أنه أذل و أحقر من كل ذليل و حقير , و أنه لا يليق به إلا الذلة و التواضع , و أن يعرف ربه سبحانه ليعلم أنه لا تليق العظمة و الكبرياء إلا به تعالى , بخلاف نفسه فإنه لا يليق به الفرح لحظة واحدة فكيف البطر و الخيلاء , و لو ظهر له آخره و العياذ بالله ربما اختار أن يكون بهيمة , سيما إن كان في علم الله أنه من أهل النار , و لو رأى أهل الدنيا صورة من صور أهل النار لصعقوا من قبحها و ماتوا من نتنها , فمن هذا عاقبته - إلا أن يعفو الله عنه و هو على شك في العفو - كيف يتكبر و يرى نفسه شيئا و أي عبد لم يذنب ذنبا يستحق به عقوبة الله إلا أن يعفو عنه الكريم بفضله ؟!!
روى ابن ماجه و الحاكم و صحح إسناده : ( أن النبي صل الله عليه و سلم بزق يوما على كفه و وضع أصبعه عليها و قال : يقول الله تعالى : يا ابن آدم أتعجزني و قد خلقتك من مثل هذه ؟ حتى اذا سويتك و عدلتك مشيت بين بردين , و للأرض منك وئيد , جَمَعتَ و مَنَعت ختى إذا بلغت التَّراقي قلت أتصدق و أنَّى أوان الصدقة ) .
و رأى مطرف رحمه الله المُهلب يتبختر في جبة خز فقال : " يا عبد الله إن هذه مشية يبغضها الله و رسوله , فقال له المهلب : أما عرفتني ؟ فقال : بلى أعرفك , أولك نطفة مذرة و آخرك جيفة قذرة , و أنت بين ذلك تحمل العذرة , فترك المهلب مشيته تلك " .
-------------------------------------
( 2 ) - أن يتذكر العبد أن الله تعالى هو المقدر له على العلم و العمل و المنعم عليه بالتوفيق إلى حيازته جعله ذا نسب أو مال أو جاه فكيف يعجب بما ليس إليه و لا منه ؟!
ثم كيف يسوغ له العُجب بأي شيء مع أنه لا أعبد من إبليس , و لا أعلم من بلعام بن باعوراء في زمنه , و لا أقرب و لا أشفق من أبي طالب على نبينا صل الله عليه و سلم , و لا أشرف من الجنة و مكة , و قد عَلِمت ما وقع لأولئك من سوء الخاتمة - و العياذ بالله - , و ما وقع لآدم في الجنة و لكفار مكة فيها ... فاحذر يا عبد الله أن تعجب و تغتر بنسب أو علم أو محل أو غير ذلك , هذا كله إن كنت معجبا بحق , فكيف و كثيرا ما يقع الإعجاب بباطل ! قال تعالى : { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } - فاطر - 8 .
و بعد ... فهذه جولة سريعة و إيماضات على هذا المرض الخطير , فدونك نفسك و قلبك ففتش فيه لعلك مصاب و أنت لا تشعر فسارع في العلاج و دعاء ربك بالشفاء قبل أن يستفحل المرض فتعجز عن مداواته , و عند ذلك تندم و لكن ... بعد الفوات , ( ة الكيس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت و العاجز من أتبع نفسه هواها و تمنى على الله الأماني ) .