الحمد لله الذي خلق الإنسان ، وعلمه البيان ، وزينه بالعقل وشرفه بالإيمان ، وميّزه بالعقل واللسان ، عن سائر الحيوان , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمرنا بالخير والإحسان ، ونهانا عن الفسوق والعصيان ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، المبعوث بالحجة البالغة وحسن البيان , اللهم فصلّ وسلم على سيدنا محمد ، قائد الغر المحجلين إلى الجنان ، والآخذ بحجز الناس وهم يتهافتون في النيران ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أولي العرفان , أما بعد :
فيا أيها المسلمون ، بعض المجتمعات ، فشت فيهم المنكرات , وظهرت بينهم الموبقات ، ومن أخبثها وأقبحها ، شرب المسكرات , وتعاطي المخدرات , والتي عمّ شرها ، وتتطاير شررها ، وطمّ ضررها ، وأغرق بحرها ، وفشا شربها ، في سائر الأقطار والبلدان ، ولقد كان الأوائل يستنكرون شرب الدخان , ويرونه فسقاً وإتباعاً للشيطان , واليوم تجرّأ بعض من لا خلاق له ، فصار يشرب الخمر مغتراً بها ، منبسطاً إليها ، والله جل وعلا ما حرم علينا الخمر إلا لما فيها من الخطر ، وما منعنا من شربها إلا لما يترتب على ذلك من الضرر , نعم أيها المؤمنون : الخمر محرمة بنص الكتاب والسنة ، وعلى ذلك إجماع الأمة ، بل اتفقت على ذلك , الفطر الصافية ، والعقول السليمة , يقول جل وعلا : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } المائدة90 , و صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (( كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام )) و صحّ عنه أيضاً (( كل شراب أسكر فهو حرام )) و صحّ عنه أيضاً (( ما أسكر كثيره فقليله حرام )) ولما نزل تحريم الخمر مطلقاً , أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تراق في الأسواق وتكسّر أوانيها ، فأريقت حتى جرت في سكك المدينة ، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ } المائدة91 , قال الصحابة : انتهينا يا رب ، انتهينا يا رب ... والمقصود بالخمر ، هو كل ما خامر العقل وغطاه , سواء أكان رطباً أم يابساً , مأكولاً أم مشروباً ، ومن أشنعها وأخطرها , شرب الحشيش والأفيون .
و الكوكائين ، والحبوب الحمراء والبيضاء والصفراء ، وشرب الويسكي , أسوده وأحمره و أصفره وأبيضه ، بجميع نسبه وأسمائه ، والتي ينقلب شاربها ومدمنها إلى حيوان كاسر , وشيطان مريد ، أيها المسلمون : الخمر عظيمة المضار ، جسيمة الأخطار ، تصد عن ذكر الله ، وعن الصلاة ، وعن بيوت الله ، توقع السكّير في الكفر والسب واللعن , يكفر بالله ، ويترك الصلاة ، يسب القرآن ومن جاء بالقرآن , يسب الدين ، ويلعن المسلمين ، يفطر رمضان ، ويقترف الآثام , يقتل الأبرياء ولا يبالي ، ينتهك الأعراض بالزنا واللواط , إنها تذهب الغيرة والحياء ، وتورث الخزي والندامة ، إنها شراب مسموم , تسبب لصاحبها الموت البطيء ، تضعف القوة العقلية لديه , كثيراً ما تؤدي بشاربها إذا أدمن عليها إلى الجنون , وولد السكّير , يكون واهن الجسم ، ضعيف الإدراك ، وقد يكون لديه ميل للإجرام , وهكذا أحفاده أشد ضعفاً وأقل عقلاً ، ناهيك عن إفساد المعدة ، ومرض الصدر ، وتلَف الكبد والكلى , وفقد شهوة الطعام , وامتقاع اللون ، وعظم البطن ، وجحوظ العينين ، إنها توقع العداوة والبغضاء ، وتجعل صاحبها مهيناً ذليلاً حقيراً في أعين الناس , إنها متلفة للمال , والعجب أنها تباع بأغلى الأثمان , إنها وخيمة العواقب ، فلقد أجبرت بعض ضعاف النفوس على السرقة والسطو, وبيع الأعراض , فكم أفقرت من غني ، وكم أذلّت من عزيز , كم وضعت من شريف , كم ورّثت من حسرة , كم أجرت من عبرة ، كم سلبت من نعمة ، كم جلبت من نقمة , كم أوقعت في بليّة , كم عجّلت من منية , كم فرّقت بين رجل وزوجه , كم من حوادث السيارات وقعت , كم من الموتى والقتلى خلّفت , كم من الخطف والسلب سجلت , قال بعض الأطباء اقفلوا الحانات ، أضمن لكم الاستغناء عن نصف المستشفيات , وقد أظهرت آخر الإحصائيات الأمنية أن المسكرات والمخدرات تمثل الصدارة والمرتبة الأولى بنسبة 95% من الجرائم والوقائع المحرمة , فأي خير وأي نفع يرجى من شراب لعنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم , وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال عنه (( الخمر أم الخبائث )) وصحّ عنه أيضاً (( الخمر أم الفواحش , وأكبر الكبائر ، من شربها وقع على أمه وخالته وعمته )) وصحّ عنه أيضاً (( لا تشربوا الخمر , فإنها مفتاح كل شر )) والواقع يصدق ذلك ويؤكده ، وهذه قصة لسكير دخل بيته ثملاً نشواناً ، فوجد أمه الطاعنة في السن , قد احدودب ظهرها , وشاب شعرها ، تُعدّ له طعاما ً، وتخبز له خبزاً على الفرن ، رآها وقد انحنت على التنور , فقام بقذفها في التنور , فاحترقت وتفحمت , فلما أفاق من سكره , إذا هو قد ارتكب أبشع جريمة ألا وهي قتل أمه , وآخر يصحو من عربدته , فإذا هو قد طلق زوجته , وآخر يفيق من شره وبلائه ، وإذا أهله وأهل زوجته محيطون به , يردّونه عن هتك عرض إحدى بناته , أيه الأحباب : إنهم عشرة لعنهم الله وطردهم من رحمته , وتوعدهم بعقوبته , صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها )) أتدرون لماذا ؟ لأنهم شركاء في الجريمة , وقد تآمروا على نشر الرذيلة , وإن تعجب , فعجب ممن يجالس السكيرين والخمارين ، والرسول صلى الله عليه وسلم فيما صحّ عنه قال : (( إن من أشراط الساعة أن يشرب الخمر ويظهر الزنا )) وصحّ عنه أيضاً (( يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها , يُعزف على رؤوسهم بالمعازف والقينات ، يخسف الله بهم الأرض , ويجعل منهم القردة والخنازير )) ، وصدق صلوات الله وسلامه عليه ، فكم في زماننا هذا , من الفنادق والاستراحات والمزارع والمنتجعات , تُدار فيها الخمور والمخدرات , وكذا يقدم بعضهم لبعض كؤوس الراح , في ولائم الأعراس والأفراح ، يضربون الكؤوس ، حتى تتصدّع الرؤوس ، تُعزف عليهم الموسيقى ، وتنبح لهم المغنيات ، وترقص لهم الباغيات ، فالويل لهم ، ولعنة الله ورسوله عليهم ، كما لعنهم ، عجباً لشارب الخمر ، كيف يزعم الإيمان ، وهو يتجرع الخمر بالكيسان ، صحّ عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : (( ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن )) عجباً لمدمن الخمر، كيف يرضى لنفسه أن يكون كعابد وثن ، صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( شارب الخمر كعابد وثن وشارب الخمر كعابد اللات والعزى )) وصحّ عنه أيضاً: (( من مات وهو مدمن خمر، لقي الله وهو كعابد وثن )) عجباً لمدمن الخمر ، كيف يبيع نصيبه من الجنة الخالدة بكأس خمر نجسة زائلة ، صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لا يدخل الجنة مدمن خمر )) عجباً لمدمن الخمر ، هل تحتمل نفسه طينة الخبال أو ردغة الخبال يوم القيامة ، التي هي شراب من شرب الخمر ومات من غير توبة منه ، صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( ..وإن على الله لعهداً لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال )) وفي لفظ (( سقاه من نهر الخبال , قيل: وما طينة الخبال ، قال : عرق أهل النار ، أو عصارة أهل النار )) عجباً لشارب الخمر ، كيف يدمنها ، وهو متوعد بأن يُحرم منها في الآخرة ، صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من شرب الخمر في الدنيا ، ثم لم يتب منها ، حُرمها في الآخرة )) وفي لفظ (( لم يشربها في الآخرة )) . جعلني الله وإياكم من إذا خُوِّف بالله نَدِم وخاف ، ورزقني وإياكم من الإنابة والإنصاف ، ما يُلحقنا بصالح الأسلاف . أحسن الله لنا ولكم الختام ، وأدخلنا جنته بسلام ، وأستغفر الله العظيم من كل ذنب وخطيئة ، فاستغفروه وتوبوا إليه .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العزة والجلال وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه ، خير صحب وأفضل آل . أما بعد ، فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الخمر بأنواعها , تيار من الخراب جارف , وبلاء من الهوان ماحِق , فلنتعاون جميعاً على حربها ، وعلى إزالتها ، قال تعالى : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } المائدة2 , يجب علينا جميعاً مناصحة شُرّابها بالتي هي أحسن , وعلينا مساعدتهم بشتى الوسائل ليقلعوا عنها , ولا يجوز السكوت عنهم , ومن عجز عن ذلك , فواجب عليه تبليغ الجهات المسؤولة عن ذلك , فهي داء خطير , وبلاء مستطير , ينخر في المجتمعات حتى يهلكها , اللهم اهدِ ضال المسلمين , اللهم وفقه للتوبة النصوح , اللهم إنا نسألك العفو والعافية , والسلامة من كل بلاء وفاحشة , اللهم أصلح فساد قلوبنا , وتجاوز عن إسرافنا , واغفر لنا ذنوبنا , وكفر عنا سيئاتنا . اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك ، محمد بن عبد الله ، وارض اللهم عن أصحابه العشرة , وعن سائر أصحابه أجمعين , وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين , اللهم أذل الشرك والمشركين , اللهم دمر أعداء الدين , اللهم انج المستضعفين من المسلمين والمسلمات , اللهم انصر المجاهدين في سبيلك ، اللهم آمنا في دورنا , وأصلح ولاة أمورنا , ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.