مام يخرج
فى آخر الزمان ينشر العدل بين الناس، ظهوره من علامات اقتراب الساعة».. هذا
باختصار اعتقاد أهل السنة والجماعة عن المهدى المنتظر، الذى يبدأ بظهوره
فى الأرض بداية نهاية عمر أمة الإسلام قبل يوم القيامة، الاعتقاد بظهور
علامات يوم القيامة الصغرى، ووجود المهدى المنتظر كإحدى العلامات الكبرى
جعل أشخاصاً يتخيلون أنهم يحملون صفاته ويخرجون على الناس ليعلنوا أنهم هذا
الإمام المُخلِّص. هل هو تعجل ليوم الحشر، أم خلل عقلى أصاب أغلب من ظن فى
نفسه أنه المنتظر.
أصبح أمرًا معتادًا أن يخرج بين الحين والآخر من يقول إنه الإمام المهدى
الذى ينتظره المسلمون من أجل نشر العدل والقسط وانتزاع حقوق المظلومين،
ويسوق فى سبيل إثبات ذلك أدلة شرعية من القرآن والسنة يقوم بتفسيرها كيفما
يشاء.
أحمد الجناينى، آخر هؤلاء الذين أصابتهم «فتنة المهدى المنتظر»، وأعلن أنه
هو فى رسالة بعثها إلى دار الإفتاء المصرية، ويستدل بآيتين فى القرآن على
أنه إمام هذا الزمان، ثم أضاف إليهما أدلة أخرى تعضد وجهة نظره وتدعمها.
«الإصلاح ما استطعت إليه سبيلاً» هو الدافع الذى حرك الجناينى، وغيره من
مدعيى المهدية، للإعلان عن أنهم أئمة هذا الزمان، فهو يرى أن «لديه علمًا
غزيرًا يريد أن يبلغ الناس به»، ويحاول جاهدًا أن يجد من يسانده لنشر علمه
ولنشر العدل والقسط بين الناس.
وتطال قائمة «مدعيى المهدية» لتشمل أسماء أخرى غير الجناينى.. فقبل أيام
ظهر فى قنا، مهدى منتظر آخر، وهو خلف الله عبدالله مدير مدرسة ابتدائية.
قصة عبدالله تطال، فالرجل الذى شارف على عامه الستين، يؤكد أن الرئيس
السابق حسنى مبارك عطلّه عن أداء مهمته لذلك عوقب بالسجن خلف القضبان، ودون
أن يشرح عبدالله كيف عطله مبارك عن أداء مهامه، يؤكد أن «مصير المخلوع»
سيلقاه أى مسؤول يحاول منعه مستقبلاً من أداء المهمة السامية المكلف بها.
البداية على لسان عبدالله كانت حين جاءه الرسول فى المنام، ثم أعطاه سيفه،
وقال: «حارب به وأنا سأحارب بقوسك».. لتكون هذه إجابة عبدالله عن كل من
يسأله «ما الدليل أنك الإمام المنتظر»، وتدعم هذه الإجابة مجموعة من الأدلة
الأخرى يذكرها الشيخ ذو اللحية الكثّيفة وغطاء الرأس الأبيض للتأكيد على
أنه، وبحق المهدى المنتظر وليس أحد هؤلاء المدعين الذين يظهرون بين الحين
والآخر، ومنها أن دعاءه مستجاب، ولكنه كما يقول، لا يحب أن يتوجه بالدعاء
إلى الله على أحد كى لا يصاب بأذى.
ويؤكد الشيخ أن من عارضه وحاول إلحاق الضرر به أصابه أذى «منهم من ماتوا
ومنهم من سجنوا»، ليس هذا فحسب، بل إنه يؤكد أن خلافات كبيرة حدثت بين
الشيخ زايد وحسنى مبارك بسببه، واستطرد «لكننى لن أفصح عن طبيعة هذه
الخلافات حاليًا».
رحيل المجلس العسكرى وقائده حسين طنطاوى، وقدرة محمد مرسى على تسيير أحوال
البلاد لم تكن إلا نتاج دعوات هذا المهدى المنتظر، على حد قوله، إضافة إلى
حادث سرقة بنك جرجا ومقتل ضباط الإسكندرية.
ويعتبر «خلف الله عبدالله» أن إنهاء إجراءاته الورقية بسرعة فى المصالح
الحكومية وتيسير السفر له جزء من كراماته، ويضيف: «أثناء سفرى للسعودية عام
2002 ورغم إغلاق جميع الموانئ المصرية لأسباب جوية وقتها، فقد تم فتح
ميناء سفاجا فور دخولى إلى قسم الجوازات لإنهاء إجراءات السفر».
وفى الذكرى الأولى لثورة الخامس والعشرين من يناير، وفى قلب ميدان التحرير،
ظهر شخص يدعى أنه المهدى المنتظر الذى سينقذ العالم من الفتن وينشر العدل.
على محمد سلامة، ظهر بميدان التحرير بجلباب واسع وغطاء رأس وعمامة خضراوين
ليعلن أن أحدًا لن يستطيع أن يمسه بسوء لأنه إمام آخر الزمان، وقال إنه
عالم أزهرى وأن الإمام الحسن بن على جاءه فى المنام وأبلغه أن حسنى مبارك
«الرئيس المسجون حاليًا» لا يزال هو الحاكم الشرعى للبلاد، وأن مبارك سيحكم
مصر مرة أخرى.
الحسن بن على، أخبر هذا «المهدى» أيضًا أن الرئيس السابق سيقوم بدفع الدية
إلى أسر الشهداء وسيقوم بتعيين الدكتور محمد البرادعى رئيسًا للوزراء فى
خطوة منه نحو الإصلاح السياسى، وكان جزاء سلامة هو السخرية من الموجودين فى
الميدان إذ قاموا بلمس جسده على سبيل التبرك به.
فى شهر إبريل الماضى تقدم مواطن بأوراقه للترشح فى انتخابات رئاسة
الجمهورية الأخيرة، وادعى أنه المهدى المنتظر الذى سيحرر البلاد العربية،
وأن المسيح الدجال يأتى إليه فى أحلامه يوميًا ليحاول إقصاءه عن الترشح،
مؤكدًا أن مبارك وبشار الأسد والقذافى جزء من المسيح الدجال وأن نهاية
العالم اقتربت ولكنه سيستمر فى الحرب ضد الدجال.
الأشخاص الأربعة السابقون، حالات قليلة ظهرت خلال عام 2012، والتحليل الأول
لشخصياتهم أنهم يعانون من إضطراب نفسى أوخلل عقلى، وطوال السنوات العشر
الأخيرة ظهر ما يقرب من 15 شخصاً فى مصر، فقط يدعون أنهم المهدى المنتظر
كان مصير بعضهم الإيداع فى مستشفى الأمراض العقلية.
ففى عام عام 2000 ظهر ثلاثة مهدويين، أولهم محمد عبدالنبى عويس ظهر فى
سيناء وأخرج كتاباً يشرح فيه تعاليمه، وكان مصيره الإقامة فى مستشفى
الأمراض العقلية، والمصير ذاته لقيه، أحمد عبدالمتجلى من الإسماعيلية الذى
ادعى قدرته على إخراج الجان من الأجساد الممسوسة، فأقبل عليه البعض، ثم
اعتزل الناس حيث قرأ الإنجيل والتوراة على يد حاخام يهودى فى القاهرة، ثم
عاد إلى الاعتكاف ليخرج على الناس مدّعياً أن الله ضاق بذنوب عباده فاختاره
لهدايتهم.
ولم تختلف الطريقة كثيراً مع حنفى البور سعيدى، قبل أن تعتقله الشرطة، لكنه
استطاع الهرب، وقد تبيّن أنه يريد الذهاب إلى إسرائيل بعد أن قابل أحد
الحاخامات.
فى يوم 18 /3 /2001م قُدِّم بلاغ إلى مديرية أمن القاهرة عن شخص يدّعى أنه
المهدى المنتظر وخاتم الأنبياء بين أهالى حلوان، وقد أخبر هذا الناس بأن
الوحى هبط عليه من السماء وهو نائم فى بيته وكلّفه بالرِّسالة الجديدة.
وفى الإسكندرية أعلنت الشرطة المصرية عن اعتقال محمد محمود «33عاماً»، الذى
ادّعى أنه الإمام المنتظر فى عام 2002، بعد أن طلب من أئمة المساجد فى حى
العطارين إعلان وصول الإمام، وقد أوضحت عائلته أنه يعانى من اضطرابات
نفسية.
وشهدت منطقة كوم الدكة فى الإسكندرية أيضا خروج عاطف محمد حسين «36سنة»
ليعلن للناس أنه المهدى المنتظر فى عام 2003، وإنه قادم ليخلص العالم من شر
بوش وشارون، ما روى من حكاياته يدل على اختلال نفسى.
فى مارس 2004 بدأت نيابة القاهرة تحقيقاتها مع فرّان بالإسكندرية، يدعى
أشرف عبدالحميد حسنين يبلغ من العمر 36 عاما بعد أن تلقت بلاغاً من
سكرتارية شيخ الأزهر وقتها محمد سيد طنطاوى، لقد ظن هذا الفران بداية الأمر
أنه من المبشَّرين بالجنة، وتمادى فى خياله معتقداً أنه المهدى المنتظر،
وحضر إلى القاهرة لمقابلة شيخ الأزهر ليعرّفه بنفسه، فوجئ أهالى قرية منشأة
بشارة التابعة لمركز الحسينية فى محافظة الشرقية بشاب يبلغ من العمر 22
عاماً، عقب صلاة يوم جمعة من عام 2006، وهو يخطب ويخبر الناس بأنه المهدى
المنتظر بالشرقية، وأرسله الله ليهدى الناس إلى طريق الحق والرّشاد، ثم
تبين أنه مختلٌّ عقلياً فقررت النيابة العامة عرضه على طبيب نفسى، وقد أكد
تقريره إصابته بأمراض نفسية وعصبية، فأصدر المحامى العام لنيابات شمال
الشرقية قراره بإيداعه أحد مستشفيات الأمراض العقلية.
فى يوم 17 يناير 2008 قررت محكمة طور سيناء بجنوب سيناء حبس المتهم
عبدالفتاح محمد دردير 15يوماً على ذمة التحقيقات وإيداعه مستشفى الأمراض
العقلية والنفسية لتحديد مدى سلامة قواه العقلية بعد أن ادعى أنه المهدى
المنتظر. وقد فوجئ المصلون بمسجد المصطفى بشرم الشيخ بقيامه بإعلاء صوته
بأنه المهدى، وأنه أتى لهداية الناس وأن الله اختاره ليخلص الناس من الظلم
وهدايتهم ومحاربة الفساد فى البلاد، رغم أنه لا يحفظ آية سورة من سور
القرآن الكريم.
وألقت مباحث الفيوم القبض على مواطن ادعى المهدية وضبطت بحوزته أحجبة وكتب
فى السحر وأوراق، يثبت من خلالها نسبه إلى النبى «محمد بتاريخ 12-8 -2010،
المتهم أعلن قبل 6 أشهر من القبض عليه من منزله بقرية «الصبيحى» بمركز يوسف
الصديق، أنه المهدى المنتظر، ويساعده فى ذلك أسرته وأشقاؤه، ويدعى قدرته
على شفاء المرضى وإبطال أعمال السحر، وكان يؤكد أنه من أحفاد رسول الله.
وفى الثامن من أغسطس 2009 ألقت أجهزة الأمن على يحيى أحمد محمد عامل حدادة
من أسيوط ادعى أنه المهدى، وحاول اعتلاء منبر مسجد الإمام الحسين عليه
السلام قبل صعود إمام المسجد لإلقاء خطبة الجمعة، وزعم الشاب أنه حضر من
بلدته لهداية جموع المصلين إلى صحيح الدين.
ظاهرة المهدية لم تقتصر على مصر فقط ففى السعودية ظهر خلال عام 2011 ثلاثة
أشخاص على الأقل يدعون أنهم المهدى المنتظر، وكان مصيرهم الإيداع فى مستشفى
الأمراض العقلية، وفى نفس العام ظهر ليبى يدعى أشرف جواد، يقول أنه هو
الآخر المهدى، وفى السودان لم يمر أيام على إطلاق سراح مواطن استتاب بعد أن
ادعى أنه المهدى ليظهر آخر ويقول أنه المهدى.