ذكر السر والجهرإن ذكر الله مشروع سراً وجهراً، وقد رغَّب رسول الله في الذكر بنوعيه:
السري والجهري، إلاَّ أن علماء الشريعة الإسلامية قرروا أفضلية الجهر
بالذكر إذا خلا من الرياء، أو إيذاء مُصَلٌّ أو قارئ أو نائم، مستدلين ببعض
الأحاديث النبوية، منها:
- قال رسول الله : يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني،
فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خير
منهم[1]. والذكر في الملأ لا يكون إلا عن جهر.
- عن ابن عباس قال: إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان
على عهد النبي . قال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته[2].
وقال الشيخ الآلوسي
في تفسيره عند قوله تعالى: (وإنْ تجْهَرْ بالقول فإنَّه يعلم السِّرَ
وأخفى) [طه: 7]. وقيل: نُهِيَ عن الجهر بالذكر والدعاء، لقوله تعالى:
{واذكرْ ربَّك في نفسِكَ تضرعاً وخفيةً ودون الجهر من القولِ} [الأعراف:
205]. وأنت تعلم أن القول: بأن الجهر بالذكر والدعاء منهي، لا ينبغي أن
يكون على إطلاقه. والذي نصَّ عليه الإمام النووي في فتاويه: أن الجهر
بالذكر حيث لا محذور شرعاً؛ مشروع مندوب إليه، بل هو أفضل من الإخفاء في
مذهب الإمام الشافعي، وهو ظاهر مذهب الإمام أحمد، وإحدى الروايتين عن
الإمام مالك بنقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري
[3].
ذكر اللسان وذكر القلبوقد نص أهل العلم على أن من أفضل أنواع الذكر ذكر اللسان مع حضور القلب، فإن تجرد اللسان بالذكر فقط كان أدنى مراتبه. قال النفراوي
[4] "ذكر الله ضربان: ذكر بالقلب فقط، وذكر باللسان أي مع القلب، وذكر القلب
نوعان، وهو أرفع الأذكار، وأجلها التفكر في عظمة الله وجلاله وآياته
ومصنوعاته العلوية والسفلية. والثاني: ذكره تعالى بمعنى استحضاره بالقلب
عند أمره ونهيه، والأول من هذين أفضل من الثاني، والثاني أفضل من الذكر
باللسان، أي مع القلب، وأما الذكر بمجرد اللسان فهو أضعف الأذكار، وإن كان
فيه ثواب، كما جاءت به الأخبار".
وقال الإمام النووي :
أجمع العلماء على جواز الذكر بالقلب واللسان للمحْدِث والجنب والحائض
والنفساء وذلك في التسبيح والتحميد والتكبير والصلاة على رسول الله والدعاء
ونحو ذلك
[5].
وقال أيضا: الذكر يكون بالقلب ويكون باللسان، والأفضل منه ما كان بالقلب
واللسان جميعاً، فإن اقتصر على أحدهما فالقلب أفضل. ثم لا ينبغي أن يُترك
الذكر باللسان مع القلب خوفاً من أن يُظن به الرياء، بل يذكر بهما جميعاً،
ويقصد به وجه الله.
الذكر المنفرد والذكر مع الجماعةالعبادات مع الجماعة - وفيها ذكر الله - تزيد في الفضل على العبادة في
حالة الانفراد؛ ففي الجماعة تلتقي القلوب، ويكون التعاون والتجاوب، ويستقي
الضعيف من القوي، والمُظْلِم من المُنَوَّر، والكثيف من اللطيف، والجاهل من
العالم وهكذا. وقد وردت أحاديث في جواز الذكر الجماعي، منها:
- قال رسول الله : إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حِلَقُ الذكر[6].
- قال رسول الله : ما من قوم يذكرون الله إلا حفَّتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده[7].
ويظهر ذلك أيضا من أقوال علماء السنة، منها:
- قال العلامة ابن عابدين في حاشيته في معرِضِ ذكر الله مع الجماعة: وقد شبه الإمام الغزالي
ذكر الإنسان وحده وذكر الجماعة بأذان المنفرد وأذان الجماعة، قال: فكما أن
أصوات المؤذنين جماعة تقطع جِرم الهواء أكثر من صوت المؤذن الواحد، كذلك
ذكر الجماعة على قلب واحد أكثر تأثيراً في رفع الحجب الكثيفة من ذكر شخص
واحد[8].
- قال الطحطاوي في حاشيته: ونص الشعراني:
أجمع العلماء سلفاً وخلفاً على استحباب ذكر الله جماعة في المساجد وغيرها
من غير نكير، إلا أن يشوشَ جهرُهم بالذكر على نائم أو مصلٌّ أو قارئ قرآن،
كما هو مقرر في كتب الفقه[9].
وأما الذكر منفرداً: فله أثر فعال في صفاء القلب وإيقاظه، وتعويد المؤمن
على الأنس بربه والتنعم بمناجاته، والشعور بقربه. فلا بد للمؤمن من جلسة
يذكر الله خالياً منفرداً بربه بعد أن يحاسب نفسه ويطلع على عيوبه وأخطائه،
فإذا ما رأى سيئة؛ استغفر وتاب وإذا ما رأى عيباً؛ جاهد نفسه للتخلص منه.
فعن أبي هريرة عن النبي قال: سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا
ظله... وذكر منهم: ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه
[10]