(اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ))..
قال صلى الله عليه وسلم ((من سأل اللَّه الشهادة بصدق، بلّغه اللَّه منازل الشهداء وإن مات على فراشه)).
وفي لفظ آخر: ((من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه))
[الشرح]:
قوله صلى الله عليه وسلم ((بصدق)): قيد السؤال بهذا المطلب الجليل.
لأنه هو أساس قبول الأعمال، ومعيار صحة النية من الأقوال والأعمال والأخلاق.
قوله: ((بلغه اللَّه منازل الشهداء وإن مات على فراشه)): أي جازاه اللَّه تبارك وتعالى تفضلاً منه ونعمه، على صدق نيته وإخلاصها، المنازل العلا للشهداء، وإن مات على فراشه، أو على أي حالٍ مات فيها.
قال النووي رحمه اللَّه: ((فيه استحباب سؤال الشهادة، واستحباب نية الخير))
وفي هذا دليل على سعة كرم اللَّه تعالى وفضله أنه يعطي العبد على صدق نيته مع حسن الدعاء، وقوة الرجاء، المنازل العلا وإن لم يعملها، وأدلة ذلك في الكتاب والسنة لا حصر لها، فينبغي للعبد أن يحسن نيته، ويصلحها في طلب الأعمال الجليلة حتى يُعطاها وإن كان لم يفعلها، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم معنى الشهادة في سبيل اللَّه تعالى: ((من قاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا فهو سبيل اللَّه)) ..
وقد بين كتاب ربنا سبحانه وتعالى في كثير من الآيات عظم منزلة الشهداء، وأنها بعد درجة الصديقية، قال اللَّه تعالى: "وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقً"
وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم حافلةٌ بذكر فضل الشهداء فمنها:
قال النبي صلى الله عليه وسلم ((مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَإِنَّ لَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إلاَّ الشَّهِيد، فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ))
وفي رواية: ((لما يرى من فضل الشهادة)
قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن في الجنة مائة درجة أعدها اللَّه للمجاهدين في سبيل اللَّه، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض...))
فلمّا كان عظم الشهادة، وعلوّ منازل أهلها، كان أكثر دعاء الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه لها، فعن عبد اللَّه بن عمر رضى الله عنهما قال: ((كان جُلَّ)) دعاء عمر رضى الله عنه بها : ((اللَّهم ارزقني الشهادة في سبيلك)).
وعن حفصه رضي اللَّه عنها، أن عمر قال: ((اللَّهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك)) فقالت حفصه: ((أنى يكون هذا؟ قال: يأتيني به اللَّه إن شاء)).
فانظر رعاك اللَّه تعالى، وسددك على الهدى، لما صدق عمر رضى الله عنه مع اللَّه تعالى في سؤاله ربه تعالى، وأحسن الظن بربه الكريم، الذي لا يخيب من أحسن الظن به، وصدق في دعائه وسؤاله، أعطاه ما تمنى مع خلاف حصول ذلك عادة؛ ولهذا قالت حفصة رضي اللَّه عنها: ((أنَّى يكون هذا))؟