رجل من أهل الكوفة كان ذا قدر ومنزلة وصاحب كلمة مسموعة، يزعم فيما يزعم أن عثمان ذا النورين رضي الله عنه كان يهودياً وظل على يهوديته، ونعوذ بالله مما قال:
مقال ليس يقبله كرام ولا يرضى به غير اللئام
لكن:
كل من عاش يرى ما لم يره والقلب يعمى مثل ما يعمى البصر
سمع أبو حنيفة رحمه الله بذلك، فمضى إليه، وقال له: لقد جئتك خاطباً ابنتك فلانة لأحد أصحابي، فقال: أهلاً ومرحباً بك، مثلك يا أبا حنيفة لا ترد حاجته؛ لكن من الخاطب؟ فقال أبو حنيفة: رجل موسومٌ في قومه بالشرف والغنى، سخي اليد، مبسوط الكف، حافظٌ لكتاب الله، يقوم الليل كله في ركعة، كثير البكاء من خشية الله، فقال الرجل: بخٍ بخ، حسبك يا أبا حنيفة! فقال: لكن فيه خصلة لا بد أن أذكرها لك، فقال: ما هي يا أبا حنيفة؟ قال: إنه يهودي، فانتفض الرجل، وقال: يهودي؟ أزوج ابنتي من يهودي؟! والله لا أزوجها منه ولو جمع خصال الأولين والآخرين! فقال أبو حنيفة: تأبى أن تزوج ابنتك من يهودي، وتنكر ذلك أشد نكير، ثم تزعم للناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج ابنتيه كلتيهما من ذي النورين؛ من يهودي هو عثمان رضي الله عنه؟ فعرت الرجل رعدة، وارفض عرقه، وقال: أستغفر الله من قول سوءٍ قلته، ومن كل فرية افتريتها، وجاء الحق وزهق الباطل بعصا الحروف.
إذا جاء موسى وألقى العصا فقد بطل السحر والساحر
فذب الله النار عن وجه أبي حنيفة، كما ذب عن عرض ذي النورين الخليفة.