فِيمَ يختصمون؟ روي أن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه عيَّن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه قاضياً على المدينة، فمكث عمر سنة كاملة لم يختصم إليه اثنان، لم يعقد جلسة قضاء واحدة، وعندها طلب من أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه إعفاءه من القضاء، فقال أبو بكر: أمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر!
قال عمر: لا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لا حاجة بي عند قوم مؤمنين، عرف كل منهم ما له من حق، فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه، أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم تفقدوه، وإذا مرض عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب عزوه وواسوه، دينهم النصيحة، وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيمَ يختصمون؟ ففيمَ يختصمون؟ هنيئاً، ثم هنيئاً، ثم هنيئاً لمن اكتحلت عيناه برؤية ذلك الجمع.
اللهم كما حرمناه في هذه الحياة فأقر أعيننا برؤيتهم في جنات النعيم، إخواناً على سرر متقابلين.
أولئك النَّاسُ إنْ عُدُّوا وإنْ ذُكِرُوا وما سِوَاهُم فَلَغْوٌ غَيْرُ مَعْدُودِ
واحرَّ شَوقِي إليهِم كُلَّمَا هَجَست نفسِي فنفسي بهمْ مجنونة الكَلَفِ
إنِّي سَئِمْتُ هَوَى الدُّنْيَا وزَهْرَتَهَا وملَّ قَلبِي ذُرَا رَوْضَاتِها الأُنَفِ
وقد بلوتُ لياليهَا وأَنهُرَها فَتَىً وحُزْت لآليها منَ الصَّدَفِ
فلم أجدْ غيرَ دربِ اللهِ دربَ هُدَى وغيرَ ينبوعِهِم نبعاً لمُغترِفِ
كَرِّرْ عَليَّ حدِيثَهُم يَا حادِي فحدِيثُهُم يَجْلُو الفؤادَ الصَّادِي