من نظر إلى عظمة الله وجلاله؛ عظَّم حُرُماته، وَقَدَره قَدْرَه، وأجَلَّ أمره ونهيه، وعَظُم عليه ذنبه ولو كان صغيراً، لكأنه الجبل هو في أصله يخشى أن يقع عليه فيهلكه، فقلبه كأنه بين جناحيْ طائر، تجده منكسر القلب، غزير الدمع، قلق الأحشاء، له في كل واقعة عبْرَة،
بادر وإياك ومحقِّرات الذّنوب! فإن لها من الله طالباً، بادر وردَّ المظالم إلى أهلها، أو تحلَّلْ منهم واطلب المسامحة؛ فإنها لا تتم التوبة إلا بذلك.
لما حضرت عبادة بن الصامت رضي الله عنه الوفاة قال: [[أخرجوا فراشي إلى صحن الدار، فأخرجوه، قال: اجمعوا لي مواليَّ وخدمي وجيراني ومن كان يدخل عليَّ.
فجمعوهم له، فقال: إني لأرى يومي هذا آخر يوم يأتي عليَّ من الدنيا، وليلتي هذه أول ليلة من الآخرة، وإني لا أدري لعلّه فَرَطَ مني إليكم شيء بيدي أو بلساني هو والذي نفس عبادة بيده القصاص يوم القيامة، أحرِّج على أحد منكم في نفسه عليَّ شيء من ذلك إلا اقتص مني قبل أن تخرج روحي، فبكوا جميعاً وضجُّوا وقالوا: بل كنت والداً، وكنت مربياً، وكنت مؤدباً، ولم يكن قال لخادم قط سوءاً، قال: تجودون لي بالدمع، وما يغني الدمع.
أغفرتم لي؟ فضجُّوا وقالوا: أن نعم، قال: اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد أشهد أن لا إله إلا الله]] ثم لقيَ الله.
صحَّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {لتُؤدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يُقاد للشاة الجَلْحَاء من الشاة القَرْنَاء}.
وقال صلى الله عليه وسلم: {من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها اليوم، قبل ألا يكون درهمٌ ولا دينار، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مَظْلَمَتِه، وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه، فطرحت عليه}.
وفي حديث ابن أنيس: {يقول الله يوم القيامة: أنا الملك، أنا الدَّيَّان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة، ولأحد عنده مظلمة حتى اللطمة} قال الله: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر:31].
قال الله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47].