روى الإمام أحمد بإسناد حسن في الفضائل، قال: عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: [[خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى حرة واقم، حتى إذا كنا بمرتفع إذ بنار بعيدة فقال عمر: يا أسلم إني لأرى هناك ركْبًا حبسهم الليل والبرد فانطلق بنا، قال: فخرجنا نُهَرْوِلُ حتى دنونا منهم، فإذا هي امرأة معها صبية صغار، وإذا بِقِدْر منصوبة على النار، وصبيانها يتضاغون، فقال: السلام عليكم يا أهل الضوء - وقد كره أن يقول: يا أهل النار- قالت: وعليكم السلام، قال عمر: أأدنو؟ قالت: ادْنُ بخير أو دع.
فدنا فقال: ما بكم؟ قالت: قصر بنا الليل والبرد، قال: فمالِ لهؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: الجوع.
قال: فأي شيء في هذا القدر؟ قالت: ماء أُسْكِتهُم به حتى يناموا، والله بيننا وبين عمر -كلمات يهتز لها قلب وجنان كل مؤمن، فما بالك بـ عمر؟ - يقول: أي رحمك الله، وما يدري عمر بكم؟ قالت: يتولى أمرنا، ثم يغفل عنا، الله بيننا وبينه.
قال أسلم: فأقبل عليَّ عمر به ما به، يقول: انطلق.
فأتينا نهرول حتى أتينا دار الدقيق، فأخرج عِدلاً من دقيق، وكبَّة من شحم، ثم حملها عمر على ظهره، فقلت: أحملها عنك يا أمير المؤمنين! قال: لا أمَّ لك، أتحمل عني وزري يوم القيامة؟!
قال: فانطلقنا حتى أتيناها، فألقى العِدْل عندها، وأخرج من الدقيق شيئًا، وجعل يقول: ثرِّي عليّ وأنا أُحرِك، وجعل ينفخ تحت القدر، والدخان يتخلل لحيته، فلو رأيته لرأيت عجبًا، ثم أنزل القدر فأتته بصحفة فأفرغ فيها الطعام.
ثم جعل يقول لها: أطعميهم وأنا أسطح لهم؛ فلم يزل كذلك حتى شبعوا، ثم ترك عندها فضل ذلك الطعام، ثم قام وهي تقول: جزاك الله خيرًا.
كنت أولى بهذا الأمر من عمر.
قال: قولي خيرًا قولي خيرًا، ثم تنحى عنهم ناحية واستقبلهم وقد رَبَضَ مَرْبَضًا يراقبهم، يقول أسلم: فقلت: إن له لشأنًا، وهو لا يكلمني حتى رأى الصبية يصطرعون، ثم ناموا، فقال يا أسلم: ما أسهرهم إلا الجوع، فأحببت ألا أنصرف حتى أرى ما رأيت]].
يا لها من كلمة! تكشف عن رهافة الحس ونقاء الضمير! كل ذلك قبل أن يعرف العالم حقوق الطفولة، وقبل أن تُنْشأ لها المنظمات العالمية، سبق الإسلام إلى تقرير حقوق الطفولة والأسرة، فرضي الله عن عمر وعن سائر الصحابة الكرام
وصلى الله على سيدنا محمد - معلم الناس الخير -