لا إله إلا الله
هي كلمة الإسلام الأولى التي دعا الله إليها جميع الخلق، وكل البشر وخاطب بها العقول والقلوب، وبث أدلتها في السماء والأرض، وسوف يحاسب عليها الناس أجمعين في يوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين.
وكلمة التوحيد هي التي رفعت مقام الإنسان، ووضعته موضع التكريم الذي خصه الله به في كتابه حين قال:
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70].
وهي التي حررته من عبادة الإنسان، والحيوان، والجماد، وغير ذلك من المعبودات التي ازدحمت بها الحياة قديمًا وحديثًا، وجعلت عبادته خالصة لله وحدة لا شريك له.
قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5].
وقد حررت عقيدة التوحيد الإنسان مما يلي:
(ا) حررته من العبودية لغير الله تعالى:
فمن يعتقدها ينخلع من كل ولاء للجاهلية ويعطي ولاءه كاملًا للقيادة المسلمة، ويتمرد على كل قانون غير قانون الله، وشرع غير شرعه، وهذا يجعله يتحرر من عبادة العباد ليكون عبدًا لرب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، وتتكون لديه الشخصية الإسلامية المستقلة التي تجعل الأفكار سلوكًا في واقع الحياة.
(ب) حررته من الخوف على الرزق والأجل:
وذلك لأنها تغرس في قلب المؤمن من أول لحظة، أن الرزق مقدر من عند الله، وأنه لا يزيد ولا ينقص لا يزيد بالجبن والخوف والقعود عن الجهاد وعن قول الحق، ولا ينقص بالشجاعة والإقدام والجرأة في الحق.
إلى جانب ذلك فإن هذه العقيدة تقرر أن الأجل مقدر أيضًا، فلا يزيد ولا ينقص، لا يزيد بالخوف والابتعاد عن المعارك، ولا ينقص بالشجاعة وخوض غمار الحروب.
قال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22].
{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: 78].
{لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: 38].
وحين تتفاعل هذه العقيدة في نفس صاحبها، ويعتقد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فإن هذا يجعله قويًا لا يخشى في الله لومة لائم، ولا سجن طاغية، ولا ظلم مستبد، ويتحرر بذلك من كل خوف على الرزق والوظيفة، ويعيش عزيزًا بإيمانه، مستعليًا بإسلامه، قويًا بالله؛ لأنه يلوذ به ويحتمي بحماه.
(ج) حررته من الشح والبخل:
حيث نفثت في روعه أن المال الذي في يده هو مال الله، فإذا تصرف فيه فعليه أن ينفقه في طاعة الله سبحانه، ويقوم بأداء حقوق الفقراء والمساكين والأقارب والأرحام التي رتبها الله في ماله.
تقوده هذه العقيدة إلى الاعتقاد بأن الصدقة تبارك المال وتنميه، وتكون سببًا في نيل رضوان الله تعالى، وحين تخالط هذه العقيدة قلب الإنسان تجعله يتحرر من الشح الذي يغزو القلوب والنفوس الضعيفة، ومن الأدلة الناصعة على ذلك، ما حدث للأنصار حين اعتنقوا هذه العقيدة، حيث أشركوا إخوانهم المهاجرين في أموالهم ودورهم، وكل ما يملكون، فاستحقوا المدح من الله في كتابه الكريم حيث قال: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].
(د) حررت نفسه من الجزع والظلم والأنانية:
إن الإنسان إذا انسلخ من هذه العقيدة يعود كالحيوان، لا تقيده قيم، ولا ينضبط لمقياس، ويصبح همه إشباع غروره وشهواته، فيظلم الناس، ويفتري عليهم.
ولقد وصل ظلم الإنسان لأخيه الإنسان في الجاهلية إلى درجة مؤلمة حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا» [صحيح البخاري]، انصره سواء كان على حق أو كان على باطل.
وفي العصر الحاضر نجد الرأسمالية تمتص دماء الطبقة العاملة، والشيوعية تسفك دماء الطبقة المالكة، وتستولي على أموالهم وممتلكاتهم زورًا وبهتانًا.
ونجد الدول القوية تستولي على خيرات الدول الضعيفة تاركة إياها نهبًا للفقر والجوع والبؤس.
أما حين تسود العقيدة الإسلامية (عقيدة التوحيد) وتستقر في النفوس فإنها تحررها من الجشع والأنانية والظلم، بل إن هذه العقيدة تدعو في جملتها إلى إنقاذ المظلومين والدفاع عنهم، ونشر العدل في ربوع العالمين.
(هـ) حررت عقله من الخرافات والأوهام:
تغرس هذه العقيدة في نفوس الناس أن النافع والضار هو الله، والمحيي والمميت هو الله، فلذلك لا استعانة ولا لجوء لغير الله سبحانه، بل تعتبر شريعة الإسلام هذه الاستعانة بغير الله شركًا، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله» [صحيح، سنن الترمذي (2516)].
ولقد حرم الإسلام الأدعية التي تستعين أصحابها بالجن أو الأولياء أو الصالحين، أو المرسلين، كما حرم التمائم، ونهى عن تصديق العراف والكاهن أو السعي إليهم، واعتبر ذلك كفرًا، قال صلى الله عليه وسلم: «من أتى كاهنًا فصدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» [إسناده صحيح، الألباني –الإيمان لأبي عبيد- (77)].
فأي خرافة أعظم من أن يعتقد الإنسان النفع الضر، من شجر أو حجر، أو حدوة فرس كما يفعل بعض الجهلاء في هذه الأيام.
من هذا نعلم أن كلمة التوحيد لها أثر عظيم، فقد حررت صاحبها، من أن يعبد غير الله أو يتجه إلى أحد سواه.
وحررته من سطوة المال والبنين والأزواج...
ومن الخوف على أجله ورزقه...
ومن الجزع وعدم الرضا بقضاء الله وقدره...
ومن الغفلة وعدم مراقبة الله وخشيته...
ومن التوكل على غيره والاعتماد على سواه...
ومن الذلة والضعف والقعود عن الجهاد...
ومن كل ما يسيء إليه وإلى المجتمع، وإلى الإنسانية كلها، وأرادت له أن يكون عقيدة تمشي على الأرض، ودعوة صالحة تتحرك في شعاب الحياة.