وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أناس جلوس فقال: " ألا أخبركم بخيركم من شركم؟" فسكتوا، فقال ذلك ثلاث مرات، فقال رجل: بلى يا رسول الله أخبرنا بخيرنا من شرنا، قال:" خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره، وشركم من لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره".
وقد ذكروا أن هذا الحديث أصل في المروءة مع الخلق، وذلك بأن يستعمل مع
الناس الخلق الحسن والأدب الجميل، فيسعى في إدخال السرور عليهم وإيصال
الخير لهم فينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " خير الناس أنفعهم للناس"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس أحسنهم خلقا".
وقد كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فكل ما استحسنه القرآن ودعا
إليه تخلق وتحلى به الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل ما نهى عنه القرآن
واستقبحه فقد تجنبه الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان القرآن بيان خلقه
الشريف صلى الله عليه وسلم.
فإذا لم يستطع العبد إيصال
الخير إلى الخلق فلا أقل من أن يكف عن الناس شره ويجنبهم أذاه، فقد سأل
أبو ذر النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض
العمل؟ قال: " تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك".
وليعلم كل واحد أن أذية المؤمنين من الآثام البينات الواضحات، وقد ذكر الله ذلك في معرض التهديد لمن آذى المؤمنين فقال: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)} (الأحزاب).
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر هؤلاء الذين يؤذون المؤمنين ويهددهم بقول: " يا
معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا
تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم ؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله
عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته".
ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن امرأة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها
وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال صلى الله عليه وسلم: "هي في النار".
إن أذية الناس بقول أو بفعل هي نوع من الظلم، { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57)} (آل عمران)، ويخشى على من يؤذي الناس أن يبوء بدعوة مظلوم تفتح لها أبواب السماء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"
كما عد النبي صلى الله عليه وسلم من يتجنبه الناس اتقاء شره وفحشه من شرار الناس منزلة عند الله يوم القيامة، فقال: "إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه".
وكان يحي بن معاذ يقول : ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة،
إن لم تنفعه فلا تضره ،
وإن لم تفرحه فلا تغمه،
وإن لم تمدحه فلا تذمه.
وقال قتادة رحمه الله: إياكم وأذى المسلم؛ فإن الله يحوطه ويغضب له.
نسأل الله أن يزيننا بحسن الخلق
وأن يجعلنا من الخيار الكرام وأن يجنبنا صفات وأخلاق الأشرار،
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين،
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.